وصمت عويس متفكرا. لم يكن في الوسع منعها، ولا من الهين إغضابها للحد الذي تسحب عنده أموالها من تجارته. وراح ينظر بين قدميه في ارتباك وحزن. وفتح فاه ليقول شيئا ولكن لم تخرج منه غير غمغمة مبهمة. ولبثت قمر تنظر إليه في ثبات وصبر.
70
وهب عم زكريا ابن أخيه بضعة جنيهات - اقترض أكثرها - ليصلح بها شأنه قبل الزواج. وقال العم: لو كنت قادرا لغطيتك بالمال يا قاسم، كان أبوك أخا كريما، ولا أنسى فضله علي يوم زواجي.
وابتاع قاسم جلبابا، وثيابا داخلية، ولاسة مزركشة ومركوبا فاقع الاصفرار، وعصا خيزران، وحق نشوق. وذهب في أعقاب الفجر إلى الحمام، فاستسلم للبخار، وغاص في المغطس، ثم مضى إلى المدلك، ثم استحم، ثم تبخر، ثم تمدد في الخلوة يحتسي الشاي ويحلم بالهناء.
أما قمر فتكفلت بالفرح؛ أعدت سطح الدار لاستقبال المدعوات، ودعت عالمة معروفة واستأجرت أمهر طاه في المنطقة. وأقيم في الحوش سرادق للمدعوين والمطرب. وجاء أهل قاسم وأصحابه ورجال الحي وعلى رأسهم المعلم سوارس. ودارت أقداح البوظة وعشرون جوزة حتى غامت الكلوبات بالدخان وسطعت رائحة الحشيش المفتخر. وتجاوبت الأركان بالزغاريد والتهليل والقهقهة. وراح عم زكريا يقول في فخفخة من دارت الخمر برأسه: نحن أسرة كريمة أصلها عريق!
فكتم عم عويس غيظه وهو يجلس بين سوارس وزكريا وقال باقتضاب: حسبكم قرابتكم للمعلم سوارس!
فصاح زكريا بقوة: المعلم سوارس ألف مرة!
فحيا التخت سوارس من فوره، حتى جاء الرجل بابتسامة ولوح بيده. وكان الفتوة فيما مضى يضجر من تمسح زكريا بقرابته البعيدة منه، ولكنه أخذ يغير من مشاعره منذ علم بزواج قاسم من قمر، بل قرر فيما بينه وبين نفسه ألا يعتق قاسم من الإتاوة. وعاد زكريا يقول: وقاسم شاب محبوب، من في حارتنا لا يحبه؟
وكأنما قرأ شيئا من الاستياء في نظرة سوارس فأردف يقول: لولا حكمته يوم السرقة ما وجدت رءوس رفاعة وجبل من يدفع عنها نبوت فتوتنا سوارس!
وانبسطت أسارير سوارس وصدق عويس على قول زكريا قائلا: صدقت ورب السموات والأرض.
صفحة غير معروفة