فصاح سوارس: لصوصنا لا يسرقون في حارتنا! - ومن أدرانا بذلك؟
فقال سوارس بعينين محمرتين من الغضب: لا حاجة بنا إلى مزيد من قلة الأدب، سيكشف التفتيش عن اللص، وإلا فقولوا على حارتنا السلام!
ونادى أكثر من صوت: ابدءوا بحي الجرابيع!
فصاح سوارس: أي خروج عن الترتيب الطبيعي للتفتيش سيلقى نبوتي في وجهه.
ورفع سوارس نبوته فانحاز إليه رجاله، وفعل حجاج مثله، وتراجع جلطة إلى حيه وفعل مثلهما، فلاذ المنجد بباب الربع وهو يبكي، وكان الليل على وشك الهبوط. وتوقع الجميع أن تبدأ معركة دامية. وإذا بقاسم يندفع إلى وسط الحارة، ويصيح بأعلى صوته: انتظروا، لن يكشف الدم عن النقود المفقودة، وسيقال في الجمالية والدراسة والعطوف إن داخل حارة الجبلاوي مسروقا ولو احتمى بناظرها وفتواتها!
فتساءل أحد رجال جبل: ماذا يريد راعي الغنم؟
فقال قاسم بسماحة: عندي حيلة ترد بها النقود إلى صاحبها دون عراك!
فجرى المنجد نحوه هاتفا: «أنا في عرض دينك!» فقال قاسم يخاطب الجميع: سترد النقود إلى صاحبها دون أن يفتضح أمر السارق.
وساد الصمت، وتركزت الأعين في قاسم باهتمام شديد، فعاد يقول: فلننتظر حتى يستحكم الظلام وهو قريب. لن تضاء شمعة واحدة في الحارة، ثم نسير جميعا من أول الحارة إلى آخرها كي لا تنحصر الشبهة في حي دون آخر، وفي أثناء ذلك سيجد حائز النقود فرصة للتخلص منها في الظلام من غير أن يفتضح أمره، فنعثر على النقود وتنجو الحارة من شر العراك.
وشد المنجد على ذراع قاسم في ضراعة يائس وهتف: «نعم الحل! اقبلوه جبرا لخاطري.» وصاح صوت: «حل معقول يا جدعان!» وصاح آخر: «هذه فرصة للسارق كي ينجو وينجي الحارة.» وزغردت امرأة طويلا. ونقل الناس أعينهم بين الفتوات الثلاثة وهم بين الرجاء والخوف. وأبى أي فتوة أن يكون البادئ بإعلان القبول علوا واستكبارا، فلبث أهل الحارة يتساءلون: هل يغلب العقل أو تتلاطم النبابيت وتسيل الدماء. وإذا بصوت يعرفه الجميع يصيح: هوه!
صفحة غير معروفة