إذن عرفنا أن لكل عفريت دواءه، ولكن ما دواء ناظر الوقف وفتواته؟! هؤلاء الأشرار يسخرون من الزار ولعله لم يخلق إلا لهم! القتل هو الوسيلة إلى الخلاص منهم، أما العفريت فيستكين بالبخور الزكي والنغمة الطيبة. كيف يؤخذ العفريت الشرير بالجميل الطيب؟! ألا ما أجل نتعلمه من الزار والعفاريت! وقال لأم بخاطرها إنه يرغب من أعماق قلبه في تلقي أسرار الزار، فسألته: أتطمع في المال الكثير؟ فأجابها بأنه في تطهير الحارة يرغب لا في المال الكثير. وضحكت المرأة قائلة: إنه أول رجل يرغب في هذا العمل، فماذا استهواه فيه؟ فأكد قائلا: إن أحكم ما في عملك أنك تهزمين الشر بالطيب الجميل. ولما مضت تبيح له أسرارها طاب نفسا.
وإعرابا عن مسرته كان يصعد إلى سطح الربع في نشوة الفجر ليشهد يقظة النور، ولكن البيت الكبير يستأثر بلبه دون النجوم والسكون وصياح الديكة، ويرنو إلى البيت الراقد بين الأشجار طويلا، ثم يتساءل: أين أنت يا جدي؟ لماذا لا تظهر ولو لحظة! لماذا لا تخرج ولو مرة؟ لماذا لا تتكلم ولو كلمة؟ ألا تدري أن كلمة منك تغير حارتنا من حال إلى حال؟ أم يرضيك ما يجري بها؟ وما أجمل الأشجار حول بيتك! إني أحبها لأنك تحبها، وأنظر إليها لألتقي نظراتك المطبوعة عليها.
وكلما أفضى بخواطره إلى أبيه سمع عتابا وقال له: «وعملك يا كسلان؟! إن أمثالك من الشبان يجوبون الأحياء سعيا وراء الرزق أو يهزون الحارة إذا رفعوا النبابيت!»
ويوما كانت الأسرة مجتمعة عقب الغداء إذا بعبدة تقول لزوجها باسمة: قل له يا معلم.
أدرك رفاعة أنه المقصود بالكلام، فنظر إلى أبيه مستطلعا لكن الرجل خاطب زوجته قائلا: حدثيه أنت بما عندك أولا.
فنظرت عبدة إلى ابنها بإعجاب وقالت: خبر سعيد يا رفاعة، زارتني ست زكية زوجة فتوتنا خنفس! ورددت لها الزيارة بطبيعة الحال فاستقبلتني بحفاوة وقدمت إلي ابنتها عيشة، بنت جميلة كالقمر، ثم زارتني مرة أخرى ومعها عيشة.
ولحظ عم شافعي ابنه بطرف خفي، وهو يرفع فنجال القهوة إلى فيه؛ ليرى أثر الحكاية في نفسه، ثم هز رأسه هزة من قدر الصعوبة التي تنتظره، وقال بتفخيم: هذا شرف لم يحظ بمثله بيت في حي آل جبل، تصور أن زوجة خنفس وابنته تزوران بيتنا هذا!
رفع رفاعة عينيه إلى أمه حائرا فقالت بحماس: ما أفخم مسكنهم، المقاعد الوثيرة، السجاد الفاخر، حتى الستائر تنسدل فوق النوافذ والأبواب.
فقال رفاعة ممتعضا : كل هذا الخير من أموال آل جبل المغتصبة!
فدارى عم شافعي ابتسامة وهو يقول: تعاهدنا على ألا نتكلم في هذا الموضوع.
صفحة غير معروفة