فقال جواد الشاعر مبادرا: لم يكن ذلك لخطأ لا يغتفر.
فقال خنفس لشافعي محذرا: لن تجد مني مهربا عند الغضب.
فقالت عبدة برجاء: ستجدنا يا معلم من أطيب الناس.
ومضى شافعي وأسرته وسط الأصحاب إلى دهليز ربع النصر؛ ليتسلم مسكنا خاليا دله عليه عم جواد. وتراءت في نافذة مطلة على الدهليز فتاة حسناء ذات جمال وقح، وقفت تمشط شعرها أمام زجاج النافذة، فلما رأت القادمين تساءلت في دلال: من القادم كالعريس في الزفة؟
فتضاحك كثيرون، وقال رجل: جار لك جديد يا ياسمينة سيقيم في الدهليز أمامك.
فهتفت ضاحكة: ربنا يزيد في الرجال!
ومرت عيناها بعبدة دون اكتراث، لكنها وقفت على رفاعة باهتمام وإعجاب. ودهش رفاعة لنظرتها أكثر من دهشته لنظرة عيشة بنت خنفس. وتبع والديه إلى باب المسكن المقابل لمسكن ياسمينة على الجانب الآخر للدهليز، وصوت ياسمينة يغني:
آه من جماله يامه!
46
فتح عم شافعي دكان النجارة عند مدخل ربع النصر. ومع الصباح خرجت عبدة تتسوق، ومضى عم شافعي وابنه رفاعة إلى الدكان. وجلسا على عتبة الدكان ينتظران الرزق. وكان في حوزة الرجل مال يكفيه شهرا أو يزيد فلم يطرقه القلق، فراح ينظر إلى الدهليز المسقوف بالمساكن، المفضي إلى الحوش الكبير ويقول: هذا هو الدهليز المبارك الذي أغرق فيه جبل أعداءنا.
صفحة غير معروفة