فقال حمدان: في هذا الكلام موضع للنظر.
وتفرس في الوجوه ليتابع أثر قوله، فرأى انقباضها يشتد فاستطرد: أما علاقتنا به فقد أكدها بنفسه في لقاء الخلاء!
وبدا زناتي لحظة وكأنه يود أن يقول: «في هذا الكلام موضع للنظر» ولكن غلبه الانكسار فقال مسائلا جبل: أيرضيك ما نحن فيه من فقر وذل؟
فقال جبل دون حماس: كلا، ولكن لا شأن لنا بذلك.
فتساءل الرجل في إصرار: وكيف لا يكون لكم شأن بذلك؟
وساءل جبل نفسه بأي حق يكلمه ذلك الرجل على هذا النحو؟ لكنه لم يغضب، وجد بنفسه جانبا يكاد أن يعطف على الرجل، غير أن جانبا آخر منه استنكر أن يخوض متاعب جديدة من أجل الآخرين. ومن هم هؤلاء الآخرون؟ وجاء الجواب على لسان دعبس حين صاح بالرجل: أنسيتم ما كنتم تعاملوننا به يوم محنتنا؟
فغض الرجل من بصره مليا ثم قال: من ذا الذي كان يستطيع أن يجهر برأي أو يعلن عاطفة في أيام الفتوات؟ وهل كان الفتوات يعفون عن أحد يعامل الناس بغير ما يرتضون؟
فزم دعبس شفتيه في استعلاء واستنكار وقال: كنتم وما زلتم تحسدوننا على مكانتنا في الحارة، ولعلكم سبقتم الفتوات إلى ذلك!
فأحنى زناتي رأسه في قنوط وقال: سامحك الله يا دعبس!
فصاح دعبس دون رحمة: اشكروا رجلنا؛ لأنه لم يقبل أن يوجه لكم يد الانتقام!
صفحة غير معروفة