هكذا أنشده أبو الطيب اللغوي في الأضداد وقال: «يريد إذا ضن الوحش بمقايله» والأران على هذه الرواية إما الكناس، وإما موضع تنسب إليه البقر. وورد في اللسان على أن الأران الثور الوحشي برواية:
وكم من إران قد سلبت مقيله ... إذا ضن بالوحش العتاق معاقله
(ومن القلب) قول بعضهم:
كأنّ ريقتها بعد الكرى اغتبقت ... من مستكنّ نماه النحل في نيق
أو طعم غادية في جوف ذي حدب ... من ساكب المزن يجري في الغرانيق
النيق (بكسر الأول): أرفع موضع في الجبل، وأراد بذي حدب: ماء استنقع في موضع منخفض تحت جبل فبرد وصفا، كذا في الإقتضاب.
قال أبو الطيب في الأضداد: «أي تجري الغرانيق فيه. والغرانيق: جمع غرنيق وهو طير الماء» فجعله من المقلوب، والذي في اللسان: أنه أقام (في) مقام (مع) أي أنه أراد يجري مع الغرانيق. ومثله في أدب الكتاب لابن قتيبة وشرحه المسمى بالاقتضاب لابن السيد، وذكر أن الشعر لخراشة بن عمرو العبسي، وأن بعضهم رواه لعنترة بن شداد.
(ومن القلب) قول الراجز يشكو أذى البرغوث:
قد حكّني الأسيود الأسكُّ ... بالليل حكًّا ليس فيه شكّ
أحكّ حتّى منكبي منفك
كذا رواه أبو الطيب في الأضداد وقال: «يريد بالأسيود البرغوث ويريد حككته حكني» .
ورواية اللسان:
ليلة حكّ ليس فيها شكّ ... أحكّ حتّى ساعدي منفكّ
أسهرني الأسيود الأسكّ
(ومنه) قول الآخر:
وقد أراني في زمان ألعبه ... في رونق من الشباب أعجبهْ
قال أبو الطيب: «أي يعجبني، وقوله: ألعبه، أي في زمان ألعبه فيه» .
قال أبو الطيب: «أي يعجبني، وقوله: ألعبه، أي في زمان ألعب فيه» .
(ومنه) قول الآخر:
قد صبّحت صبّحها السلامُ ... بكبد خالطها السَّنام
في ساعة يحبّها الطعام
قال أبو الطيب: «أي يحب فيها الطعام» ومثله في اللسان.
(ومنه) قول الآخر:
وإذا تعاورت الأكفُّ زجاجها ... نفحت فنال رياحها الزكومُ
قال أبو الطيب: «يريد: فنالت رياحها الذكوم. والمذكوم نصب والرياح رفع» (ومنه) قول الآخر:
من كنت في الحرب (العوان) مغمّرًا ... إذا شبّ حرُّ وقودها أجزالها
قال أبو الطيب: «وإنما الأجزال هي التي شبت حر وقودها» (ومن القلب) الواقع في كلام المولدين قول أبي تمام يصف قلم ممدوحه:
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل
أورده القزويني في الإيضاح شاهدًا على القلب المتضمن الاعتبار اللطيف، ولم يتكلم عليه. والمراد أن الوجه فيه: (لعابه كلعاب الأفاعي) فعكس التشبيه للمبالغة، ولكن لا يخفى أنه يرد عليه ما ورد على قول رؤبة: (كأن لون أرضه سماؤه) المتقدم ذكره، فيعد من التشبيه المقلوب لا من القلب المراد هنا.
وزعم بعضهم: أن من المقلوب قول المتنبي:
وعذلتُ أهل العشق حتى ذقته ... فعجبت كيف يموت من لا يعشق
لأنه عنده على تقدير: كيف لا يموت من يعشق، وخلاصة ما في شروح الديوان والوساطة والمغنى وعروس الأفراح أن لا قلب، لأن المراد أنه صار يرى أن لا سبب للموت سوى العشق، أي أن الأمر المتقرر في النفوس أن الموت أعلى مراتب الشدة، وإني لما ذقت العشق وعرفت شدته عجبت كيف يكون هذا الأمر الصعب المتفق على شدته غير العشق وكيف يجوز ألا تعم علته فتستولي على الناس حتى تكون مناياهم منه.
(ومن المقلوب) في رأي ابن جنى قول المتنبي أيضًا:
نحن ركب ملجنّ في زي ناس ... فوق طير لها شخوص الجمال
لأن تقديره عنده: نحن ركب من الإنس في زي الجن فوق جمال لها شخوص الطير. قال ابن سنان الخفاجي في سر الفصاحة: «وهذا عندي تعسف من أبي الفتح لا تقود إليه ضرورة، ومراد أبي الطيب المبالغة على حسب ما جرت به عادة الشعراء فيقول: نحن من الجن لجوبنا الفلاة والمهامه والقفار التي لا تسلك، وقلة فرقنا فيه إلا أننا في زي الإنس، وهم بلا شك كذلك. ونحن فوق طير من سرعة إبلنا إلا أن شخوصها شخوص الجمال، ولا خلاف أيضًا في هذا» انتهى.
القسم السادس
ومن هذه الأوهام تغيير الأسماء، وهو ثلاثة أنواع: الأول: لفظي، وهو ما كان التغيير فيه في أحرف الاسم بالتقديم والتأخير، أو الزيادة والنقصان.
1 / 23