أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

لويس برومفيلد ت. 1450 هجري
62

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

تصانيف

لكنها رأت جيدا جدا المأساة المتأصلة جذورها في المسألة برمتها. فهمت أن آنسون لم يكن هو الملام. كانت حقيقة الأمر أنهم جميعا كانوا قد وقعوا في شراك شيء أقوى من أي منهم، قوة أجبرتها بإجحاف قاس على عيش حياة جافة رتيبة عقيمة في حين كان بإمكانها الأخذ بأسباب الحياة بشغف، قوة أجبرتها على أن تشاهد ابنها يموت ببطء أمام عينيها.

كانت تعود دائما إلى الخاطرة ذاتها، وهي أن الصبي يجب أن يبقى على قيد الحياة حتى يموت جده؛ وأحيانا، وهي واقفة في الشرفة، تطل عبر الحقول، كانت أوليفيا ترى أن السيدة العجوز سومز، مرتدية ملابس وردية غير متناسقة، وقبعة ذات حافة كبيرة، كانت تركب في العربة مع الرجل المسن وحفيده، كما لو كانت في حقيقة الأمر هي جدة جاك وليس تلك العجوز المعتوهة الراقدة في الطابق العلوي.

توالت الأيام لتستأنف جولة جديدة من الروتين الممل، ومع ذلك كان ثمة فارق، فارق غريب وغير محدد، كما لو أن الشمس صارت أكثر إشراقا مما كانت عليه، كما لو أن تلك الأيام، التي بدا فيها المنزل حتى في ضوء الشمس الساطع مكانا كئيبا مملا، قد انقضت. لم تعد قادرة على النظر عبر المروج نحو المداخن الجديدة الساطعة لمنزل أوهارا دون أن تتسارع أنفاسها بغتة، وتشعر بإحساس حميمي لطيف بأنها لم تعد تقف بمفردها تماما.

بلغ بها الأمر أنها حتى لم تعد تنزعج من زيارات العمة كاسي اليومية المرهقة، ولا من هوس المرأة العجوز بالرثاء لحالها وتلميحاتها الجامحة عن سابين وأوهارا والتذمر من ركوب سيبيل الخيل معه في الصباح عبر الحقول المكسوة بقطرات الندى. كانت ببساطة قادرة الآن على الجلوس هناك بأدب كما كانت تفعل من قبل، مكتفية بالإنصات إلى المرأة العجوز بينما كانت تتابع حديثها بلا توقف؛ كل ما في الأمر أنها لم تعد تكترث لأي مما تقوله. بدا لها في بعض الأحيان أن العمة كاسي كانت تشبه بعض الحشرات، التي تستمر بضرب رأسها بشدة في لوح من الزجاج، محاولة هباء مرارا وتكرارا دون توقف الدخول إلى مكان يستحيل عليها دخوله.

كانت سابين هي التي أعطتها لمحة تغلغل مفاجئة إلى طبيعة العمة كاسي، سابين التي قضت حياتها كلها في اكتشاف البشر. ففي صباح أحد الأيام تلاقت سحابتا الغبار، تلك التي من صنع العمة كاسي مع الأخرى التي أحدثتها سابين، حين التقتا في بداية الطريق الطويل المؤدي إلى منزل عائلة بينتلاند، ووصلت المرأتان معا - ارتدت إحداهما ملابس شديدة السواد، وخلا وجهها من أي مساحيق تجميل، وارتدت الأخرى ملابس باهظة الثمن اصطلح بعض صانعي الملابس في باريس على تسميتها بدلة رياضية، وتزينت بمساحيق تجميل جعلتها تشبه امرأة باريسية - وصلتا معا وجلستا في ساحة منزل عائلة بينتلاند وتبادلتا الإهانات ببراعة لساعة كاملة. وعندما نجحت سابين أخيرا في التغلب على العمة كاسي في التحمل (كانت بينهما منافسة دائمة؛ لأن كلا منهما كانت تعرف أن الأخرى ستهاجمها فور أن توليها ظهرها) التفتت إلى أوليفيا وقالت فجأة: «كنت أفكر في العمة كاسي، وصرت متأكدة الآن من شيء واحد. وهو أن العمة كاسي عذراء!»

كان في كلامها شيء قاس ومفاجئ دفع أوليفيا إلى الضحك.

وأكدت سابين بلهجة جادة: «أنا واثقة من ذلك. انظري إليها. إنها تتحدث دائما عن مأساة ضعفها الذي لازمها وحال دون إنجابها لأطفال. إنها لم تحاول قط. تلك هي الإجابة. إنها لم تحاول قط.» ألقت سابين ما تبقى من السيجارة التي كانت قد أشعلتها لإغاظة العمة كاسي، وتابعت حديثها: «أنت لم تعرفي عمي نيد سترازرس قط حينما كان شابا. لم تعهديه إلا رجلا مسنا بلا روح. لكنه لم يكن دوما على تلك الحال. هذا ما فعلته هي به. لقد دمرته. كان رجلا كريم المحتد يحب الشرب والخيل، ولا بد أنه كان يحب النساء أيضا، لكنها أبرأته من ذلك. كان سيحب الأطفال، لكنه لم يحظ بزوجة وإنما بامرأة لم تستطع تحمل فكرة العنوسة ومع ذلك لم تحتمل ما يعنيه الزواج. ابتلي بمخلوقة كانت تفقد وعيها وتبكي وهي ترقد على الأريكة طوال اليوم، ولكنها ظهرت عليه لأنه كان رجلا لطيفا، أحمق، نبيلا.»

انطلقت سابين في الحديث بكل الحماس الذي استولى عليها حينما كشفت عن رقعة صغيرة من الحياة وفحصتها بدقة. «لم يجرؤ حتى على خيانتها. فإذا نظر إلى امرأة أخرى غابت هي عن الوعي ومرضت بشدة وتحول الوضع إلى مشهد مأساوي مريع. أستطيع تذكر بعض من هذه المشاهد. أتذكر أنه ذات مرة زار السيدة سومز عندما كانت شابة وجميلة، وعندما عاد إلى المنزل قابلته العمة كاسي وهي في حالة هستيرية وأخبرته أنه إذا حدث ذلك مرة أخرى، فستغادر، «مع ضعفها والبؤس الذي كانت فيه»، وترتكب الزنا. أتذكر القصة لأنني سمعت والدي يرويها عندما كنت طفلة وكنت بائسة حتى اكتشفت ما يعنيه «ارتكاب الزنا». وانتهى الحال بتدميرها إياه. أنا متأكدة من ذلك.»

كانت سابين جالسة، بوجه كأنما قد من صخر، تراقب بعينيها سحابة الغبار التي كانت تتحرك على الطريق بينما كانت العمة كاسي تتقدم في جولة زياراتها الصباحية، وكأنها بطريقة ما رمز لجميع القوى التي أفسدت حياتها.

تمتمت أوليفيا: «هذا جائز.»

صفحة غير معروفة