وإذا كان عروة قد شهد -وهو صبي في العاشرة من عمره تقريبًا- الفتنة الكبرى التي حلت بالمسلمين وزلزلت كيانهم، في الشطر الثاني من خلافة عثمان بن عفان سنة ٣٠- ٣٥هـ -والتي استغرقت عهد علي بن أبي طالب كله ٣٥-٤٠هـ، فإن الله ﷾ قد تدارك الأمة الإسلامية برحمته، ووحد كلمتها في عام ٤١هـ وهو العام الذي سماه المسلمون عام الجماعة -بعد الفتنة والفرقة- حينما تنازل الحسن بن علي ﵄ عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان ﵄ إيثارًا لمصلحة الأمة، وحقنًا لدماء المسلمين، مصدقًا بذلك نبوءة جده ﵊ حيث قال عنه: "ابني هذا سيد -يقصد الحسن- ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"١.
ولقد استفتح معاوية ﵁ عهده بالإحسان إلى أهل المدينة بصفة عامة، وإلى الصحابة وأبنائهم بصفة خاصة، وأغدق عليهم من الأموال ما أتاح لهم التفرغ للعلم والتعليم، فزخر مسجد الرسول ﷺ بأعداد هائلة من الفقهاء والمحدثين والمفسرين وأصحاب السير والمغازي، وكان عروة بن الزبير، فارسًا من فرسان هذه الحلقات وأبرز رجالها.
_________
١ صحيح البخاري جـ٤ ص٢١٦.
1 / 22