ثم أخذت أتابع الترجمة والكتابة، فترجمت عن اللغة الألمانية رواية «غرام ألماني»، ونشرتها بعنوان «ابتسامات ودموع».
وفي عام 1913 زارنا المرحوم الأستاذ سليم سركيس، ودعاني لإلقاء خطاب جبران خليل جبران في حفلة تكريم خليل مطران بمناسبة الإنعام عليه بالوسام المجيدي، فقبلت هذه الدعوة. وكانت هذه أول مرة وقفت فيها فتاة عربية تتكلم باللغة العربية في حفلة رسمية تحت رعاية حاكم البلاد.
وبعد أن تلوت الخطبة ذيلتها بكلمة من عندي لتحية المحتفل به، فلقيت من الحاضرين تشجيعا عظيما.
وبعد ذلك ابتدأ يجتمع عندنا «صالون أدبي» كل يوم ثلاثاء مكث أعواما تحت رئاسة المرحوم إسماعيل صبري باشا، فاقتبست منه تهذيبا عربيا بما كان يلقى فيه أثناء الحديث باللغة العربية الفصحى.
وفي عام 1914 أرادوا أن يؤسسوا ناديا أدبيا مختلطا من الشرقيين والغربيين بدعوة من البرنسس أولفادي لبيديف، فدعيت إلى الاشتراك فيه. وكان بعض المجتمعين فيه من الوزراء السابقين، ووزراء الدول الأجنبية وقريناتهم، والعلماء، والأدباء، وكبار القوم. وفي هذا الاجتماع قال لي «أحمد لطفي السيد» أثناء حديثه معي: «لا بد لك يا آنسة من تلاوة القرآن الكريم، لكي تقتبسي من فصاحة أسلوبه وبلاغته.» فقلت له: «ليس عندي نسخة من القرآن.» قال: «أنا أهدي إليك نسخة منه.» وبعث لي به مع كتب أخرى، فابتدأت أفهم اتجاه الأسلوب العربي، وما في القرآن من روعة جذابة ساعدتني على تنسيق كتابتي.
وفي خلال الحرب العالمية الأولى التحقت بالجامعة المصرية القديمة، فكنت أدرس بها تاريخ الفلسفة العامة، وتاريخ الفلسفة العربية، وعلم الأخلاق على المستشرق الإسباني «الكونت دي جلارزا»، وتاريخ الآداب العربية على «الشيخ محمد المهدي»، وتاريخ الدول الإسلامية للشيخ محمد الخضري، إلى أن انتهت الحرب الكبرى، وقامت الحركة الوطنية المصرية.
وهنا كانت يقظتي الأدبية الصحيحة، والخلق الجديد الذي أمدتني تلك الحركة بروحه!
ولما توفيت باحثة البادية «ملك حفني ناصف» أبنتها بمقال في جريدة «المحروسة» كان الناس يقرءونه والفقيدة العزيزة محمولة على الأعناق، فنقلها الدكتور يعقوب صروف إلى «المقتطف»، وطلب مني أن أكتب ل«المقتطف» بحثا فيما كانت تنادي به الفقيدة الراحلة، فكتبت عدة مقالات جمعتها في كتاب «باحثة البادية».
وكان هذا الكتاب أول كتاب كتبته امرأة عربية باللغة العربية عن امرأة عربية، وقد صدر عام 1920.
وعلى ذلك أستطيع أن أقول إن أهم ما أثر في مجرى حياتي ككاتبة ثلاثة أشياء:
صفحة غير معروفة