166

آثرت الحرية

تصانيف

وهكذا باعدوا بين العمال وهيئات الإشراف الفني.

ولم يكن يخفى حتى على أبسط عمال المصانع أو المناجم عقلا، أن هذه الأرقام القياسية التي يبلغونها بوسائل الإسراع المفتعلة لن تلبث أن تصبح «معيارا» يقيسون به كل عامل.

ولما بلغت هذه الموجة الإسراعية ذروتها في نوفمبر، دعي إلى موسكو مؤتمر وطني قوامه قادة «الإستاخانوفيين» وخطبهم ستالين فأمطرهم ثناء، مقارنا حماستهم بتلكؤ العمال الآخرين، وأصبح هؤلاء «الإستاخانوفيون» منذ ذلك الحين يكونون صفوة ممتازة بين العمال، يتقاضون أجورا أعلى كثيرا من أجور زملائهم، ويتمتعون بكل ضروب المزايا - وخاصة من حيث الطعام والثياب - مما لم يكن يتمتع به العمال بصفة عامة.

وكذلك باعد الكرملن بين طوائف العمال المختلفة، فكانت القاعدة القديمة «فرق تسد» تطبق على أمة بأسرها تحت راية «إقامة البناء الاشتراكي».

ولم يطل بنا الانتظار حتى شهدنا أسوأ ما يساور العمال من قلق يصبح حقيقة محسوسة، فقد جاءت الأوامر التي ليس إلى ردها من سبيل بأن تراجع «معايير» الإنتاج - التي كانت تقدر الأجور على أساسها - فترفع من عشرة في المائة إلى عشرين، ولم يكن هذا الأمر إلا تعبيرا ملتويا لو وضع في عبارة مستقيمة لكان معناه أن نبتز من العمال عملا أكثر مما يعملونه بمقدار عشرة إلى عشرين في المائة نظير الأجور عينها التي يتقاضونها، فقد كان في مصنعي - وعماله يبلغون ألفا وخمسمائة - ما يقرب من مائتين من «الإستاخانوفيين» أو ملوك السرعة، أما الباقون فقد كانت مراجعة معايير الإنتاج بالنسبة إليهم معناها خفض خطير في مقدار كسبهم، فشاع في الناس امتعاض صامت عابس لا يخطئه النظر.

ولكي يضيفوا إلى الإيذاء إساءة طالبوا بأن تقدم المعايير الجديدة إلى العمال ليقبلوها «بأنفسهم» ولم يكفهم أن يجيء ذلك «تطوعا»، بل أرادوا أن يصدر عن حماسة، ومثلت المهزلة حتى ختامها في سلسلة من الاجتماعات، بدأناها باجتماع عام ضم كل من كان في المصنع من قادة الحزب ورؤساء العمل الفني ونقابة العمال و«البارزين» من صفوف العمال أنفسهم، فقد كان واجب هؤلاء أن يرشدوا غمار العمال إلى «فهم» طرائح الإنتاج الجديدة وقبولها.

وأعد كل شيء وعملت تجاربه مقدما، فقرئت خطبة ستالين التي ألقاها ثناء على «الإستاخانوفيين»، ونهض «ستاروستين» عن النقابة و«كوزلوف» عن الحزب وآخرون عن الموظفين الفنيين، فشرحوا - تعلو وجوههم أمارات الجد - كيف أن معايير الإنتاج الوطيئة التي كانت سائدة عندئذ إن هي إلا بمثابة الإهانة للحماسة الاشتراكية والعبقرية الإنتاجية التي عرف بها حزبنا ومصانعنا، وكذلك قام الشيوعيون الطموحون الذين كانوا ينشدون الظهور والرقي، قاموا فاستغلوا هذه الفرصة في تأكيد عبادتهم لستالين تأكيدا عبروا عنه بأقوال مكرورة رددوا بها ما تقوله الصحافة والإذاعة ترديد الصدى.

وقرئ في النهاية قرار باقتراح زيادة طرائح الإنتاج زيادة كبيرة، فووفق عليه «بالإجماع».

وبعدئذ عقدت اجتماعات من فروع المصنع المختلفة، حضرها العمال كلهم، وأعلن زعماء السياسة ورؤساء العمل الفني - يعاونهم في ذلك «البارزون» من العمال - ما كانوا قد أعدوه من عبارات واقتراحات، فلما اجتمع رجال القسم الذي أديره من أقسام المصنع، جلس العمال عابسين صامتين لا تكاد تلمح فيهم علامة من علامات الاهتمام، وكانوا كلما ذكر اسم ستالين صفقوا تصفيقا آليا، ولم يستطع رجال الحزب الهتافون الذين انتشروا في أجزاء القاعة أن ينفخوا في المجتمعين ما أرادوه لهم من تحمس حار، فمعظم الحاضرين من رجال ونساء كانوا قد فرغوا لتوهم من عمل مجهد دام ثماني ساعات، فكانوا متعبين قلقين لا يريدون إلا أن تنتهي هذه المهزلة التي أمامهم ليذهبوا إلى منازلهم. قرئ عليهم تقرير عن العمل المجيد الذي أداه «الإستاخانوفيون»، وأعلنت لهم الطرائح التي اقترح إنتاجها منذ عهد قريب، ثم وقف بعض أعضاء الصفوف الخلفية في نقابة العمال، وتكلموا كما أريد لهم أن يفعلوا حسب خطة وضعت من قبل، فاستحثوا الناس على الأخذ بنظام الطرائح الجديدة في الإنتاج، وبدأت عملية التصويت.

وصاح رئيس نقابة العمال بما طلب إليه من قبل أن يصيح به، فقال: «أقترح أيها الرفقاء أن توافقوا على القرار بالإجماع.»

صفحة غير معروفة