قال الله تعالى: يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال)(1).
وقلما كان عليه السلام يعزم على حرب إلا ويخطب أصحابه، وكذلك الصحابة والتابعين وإن خرج الملك بنفسه إلى الحرب فليبعث الجواسيس ويحقق أمر العدو وما هو عليه، ليقدم على خبرة وبصيرة، فاذا فهم أمر عدوه واطلع على كنه حاله ومدار سياسته وتدبيره، فليقابل ذلك بما يقتضيه، وإن أمكنه السعى فى تفريق كلمة أصحابه فليجتهد فى ذلك فهو الأصلح، فان عجز عن استصلاحهم أو تفريقهم واقتضى الحال الحرب، فليرتب أصحابه وليعبىء جيوشه ويامر كل أمير بحفظ مركزه وصيانة طلبه، ويرتب الطلائع من جهة العدو ويتقدم على تعبئته، فاذا قرب اللقاء فلا يهمل أمر الشمس ويجتهد أن تكون في وجه أعدائه، وكذلك الريح .
كان النبى عليه السلام يفعل ذلك في حروبه، وقد انتظر زوال الشمس فى كثير غزواته ، ثم قاتل، وإن أمكنه أن يتجنب المواضع الكثيرة الغبار والسباخ والمواحل والوعر فعل، ويتحرز من قرب المواضع التي يتوق منها خروج الكمين إلا بعد البحث والكشف، فان الكمين وإن قل عدده إذا خرج على عسكر كثير بدده.
ويجب على الملك قبل الحرب الفحص عن الأرض ومكامنها وحفائرها ومخايضها وطرقها ومناهلها ومعاطشها، ليكون على بصيرة بمن معه إن كانت الكرة له أو عليه، وإذا دخل إلى أرض العدو فليتحفظ من المضائق والدربندات فربما مسكت له أواخرها أو أوساطها. أما أولها فلا يمسكها ويسدها إلا الضعيف العاجز الذى غاية مقصوده رد خصمه وكفاية شرو وضره.
فان دعت الضرورة إلى ذلك وجاز المضائق بعد كشفها وإحاطة العلم
صفحة ٣٣١