أثر تاريخ النص الحديثي في توجيه المعاني
الناشر
مستلة من حولية كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية
تصانيف
قَالَ الحافظ ابْنُ حَجَرٍ في الفتح: "وَقَعَ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ أَدْعُوكَ فَالتَّقْدِيرُ أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ وَأَقُولُ لَكَ وَلأَتْبَاعِكَ امْتِثَالا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلامِ أَبِي سُفْيَانَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ جَمِيعَ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ فَاسْتَحْضَرَ مِنْهَا أَوَّلَ الْكِتَابِ فَذَكَرَهُ وَكَذَا الآيَةُ؛ وَكَأَنَّهُ قَالَ فِيهِ كَانَ فِيهِ كَذَا وَكَانَ فِيهِ يَا أَهْلَ الْكتاب فَالْوَاوُ مِنْ كَلامِهِ لا مِنْ نَفْسِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَتَبَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ فَوَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَهَا لَمَّا نَزَلَتْ؛ وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ وَفْدِ نَجْرَانَ وَكَانَتْ قِصَّتُهُمْ سَنَةَ الْوُفُودِ سَنَةَ تِسْعٍ، وَقِصَّةُ أبي سُفْيَانَ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَيَاتِي ذَلِكَ وَاضِحًا فِي الْمَغَازِي وَقِيلَ بَلْ نَزَلَتْ سَابِقَةً فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَإِلَيْهِ يُومِئُ كَلامُ بن إِسْحَاقَ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ نُزُولَهَا مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ". (١)
قلت: ذَكَرَ الحافظُ ابْنُ حَجَرٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَتَبَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ فَوَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَهَا لَمَّا نَزَلَتْ، وكان تَارِيخُ هَذَا النَّص سَنَةَ سِتٍّ؛ وذلك لِقَولِ أَبِي سُفْيَان لَمَّا سَأَلَهُ هِرَقْل: "فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا". (٢)، والْمُدَّةُ المذكورة هي كانت في زَمَن الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ هجرية؛ ثم قارن الحافظ بين ذلك وبين تاريخ نزول الآيَة فقال: "وأنها نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ وَفْدِ نَجْرَانَ وَكَانَتْ قِصَّتُهُمْ سَنَةَ الْوُفُودِ سَنَةَ تِسْعٍ"، ثم قال: "وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ نُزُولَهَا مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ بَعِيدٌ"، فظهر قيمة تاريخ النَّص في تعدد القصة، أو نفي التَّعدد، وتوجيه المعاني من خلال ذلك.
(١) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، (١/ ٣٩).
(٢) البخاري، الجامع الصحيح، بَابُ بَدْءِ الوَحْيِ، (١/ ٨)، رقم: ٧.
1 / 41