الباب الأول
في ذكر الآثار الإسلامية بمدينة حلب
قل أن تجد في الشرق الأدنى مدينة تضارع حلب فيما تحتوي عليه من الآثار الإسلامية التي تعين على دراسة تاريخ الريازة الإسلامية،
1
ويمكننا أن نضعها بعد مدينة القاهرة مباشرة، على الرغم من أن كثيرا من الأمكنة الأخرى تحتوي على عدد من الآثار الجميلة الإسلامية، التي تقدم لمؤرخ الحضارة الإسلامية نماذج متنوعة؛ فالقدس الشريف مثلا لا يحتوي إلا على آثار دينية، وإستانبول وقونية، اللتان ازدهرتا ثم سقطتا مع الخلافة الإسلامية العثمانية، تحتويان على آثار تمثل لنا قرنين أو ثلاثة، ودمشق نفسها لم تحافظ على مميزاتها العمرانية الخاصة؛ لأنها كانت دوما معرضة للتأثير الأجنبي.
2
أما حلب فهي، على العكس، تقدم لنا سلسلة متواصلة الحلقات من الآثار المدنية، والدينية، والعسكرية، منذ نهاية القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) إلى أيامنا هذه، ويلاحظ أن تلك السلسلة الأثرية ذات أنماط مختلفة، وطابع خاص، وأنها تاريخ للمدينة على توالي حقبها، واختلاف ريازاتها.
إن حلب، في العصور الإسلامية الأولى، وفيما قبل الإسلام، كانت بليدة ثانوية محصورة بين مدينتين عظيمتين، هما: «أنطاكية» عاصمة سورية الشمالية، و«قنسرين» عاصمة الديار الحلبية، وفي أيام الحمدانيين لمع نجمها فترة ثم خبا.
ومنذ عهد الصليبيين لمع حظ هذه المدينة؛
3
صفحة غير معروفة