آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد
الناشر
دار الكتاب والسنة،كراتشي - باكستان،مكتبة دار الحميضي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
مكان النشر
الرياض - المملكة العربية السعودية
تصانيف
المبحث الثاني: الفطرة تقتضي بذاتها الإسلام والخروج عنه خلاف مقتضاها:
قال ابن تيمية ﵀: "والكتاب - والسنة - دل على ما اتفقت عليه من كون الخلق مفطورين على دين الله، الذي هو معرفة الله، والإقرار به، بمعنى أن ذلك موجب فطرتهم، ويمقتضاها يجب حصوله فيها؛ إذا لم يحصل ما يعوقها. فحصوله فيها لا يقف على وجود شرط، بل على انتفاء مانع.
ولهذا لم يذكر النبي ﷺ لموجب الفطرة شرطا، بل ذكر ما يمنع موجبها، حيث قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (١)، فأخبر أن المشركين مفترقون.
ولهذا قال ﷺ في الحديث الصحيح: "إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه لا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم" (٢).
وقد قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) (٣). وقال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (٤).
_________
(١) سورة الروم، الآيات: ٣٠ - ٣٢.
(٢) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه/ كتاب الأقضية - باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة برقم: ١٧١٥.
(٣) سورة الشورى، الآية: ١٣.
(٤) سورة البقرة، لآية: ٢١٣.
1 / 58