آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد
الناشر
دار الكتاب والسنة،كراتشي - باكستان،مكتبة دار الحميضي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
مكان النشر
الرياض - المملكة العربية السعودية
تصانيف
السلف لا تدل إلا على القول الذي رجحناه؛ وهو أنهم على الفطرة، ثم صاروا إلى ما سبق في علم الله فيهم من سعادة وشقاوة، لا يدل على أنهم حين الولادة لم يكونوا على فطرة سليمة مقتضية للإيمان ومستلزمة له لولا العارض" (١) أ. هـ.
وعرض ابن القيم اختلاف العلماء في ماهية الفطرة، ثم رجح المذهب الصحيح قائلًا:
"والصحيح من هذه الأقوال: ما دل عليه القرآن والسنة أنهم ولدوا حنفاء على فطرة الإسلام بحيث لو تركوا لكانوا حنفاء مسلمين، كما ولدوا أصحاء كاملي الخلقة، فلو تركوا وخلقهم لم يكن فيهم مجدوع، ولا مشقوق الأذن.
ولهذا لم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم٠ شرطًا مقتضيًا (٢) غير الفطرة، وجعل خلاف مقتضاها من فعل الأبوين. وقال النبي ﷺ فيما يروى عن ربه ﷿ "إني خلقت عبادي حنفاء. وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم".
فأخبر أن تغيير الفطرة التي خلقوا عليها بأمر طارئ من جهة الشيطان، ولو كان الكفار منهم مفطورين على الكفر لقال: خلقت عباي مشركين فأتتهم الرسل فاقتطعتهم عن ذلك، كيف وقد قال: "خلقت عبادي حنفاء كلهم"؟
فهذا القول أصح الأقوال والله أعلم" (٣) أ. هـ.
قلت: ولا يلزم من تحرير مقتضى الفطرة أن يكون الطفل ساعة خروجه من بطن أمه عالمًا: بمعنى "لا إله إلا الله"، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا.
ولكن المقصود: سلامة القلب واستقامته على التوحيد وبراءته من الشرك بكافة صوره وألوانه، بحيث لو ترك صاحبه بلا مغير لصبغته - حتى تعقّله - لما كان إلا موحدًا لربه بالألوهة، ومنخلعًا من تأله ما سواه.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قوله ﷺ "كل مولود يولد على الفطرة" فأجاب:
_________
(١) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل/ ٢٩٢.
(٢) أي للإسلام.
(٣) أحكام أهل الذمة (٢/ ٦٠٩).
1 / 56