99

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

تصانيف

- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ﴾: أَيْ: يَخْلُفُ بَعْضُكُم بَعْضًا فِي الأَرْضِ.
- قَوْلُهُ (إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي) (١): هُوَ مِنْ بَابِ التَّأَدُّبِ فِي الأَلْفَاظِ وَالبُعْدِ عَنِ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَكُوْنَ تَعَلُّقَ الإِنْسَانِ دَائِمًا بِاللهِ وَحْدَهُ. (٢)
وَفِي الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ مَا يَشْهَدُ لِعُمُوْمِهِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعًا (إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ) (٣) - وَقَدْ سَبَقَ -، وَهُوَ أَيْضًا مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (الفَاتِحَة:٥). فَفِيْهِ بَيَانُ إِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى بِالسُّؤَالِ وَالاسْتِعَانَةِ.
- وَلَكِنَّ هَذَا الإِفْرَادَ بِالسُّؤَالِ وَالاسْتِعَانَةِ يَكُوْنُ عَلَى مَرْتَبَتِيْنِ:
١) مَرْتَبَةٌ وَاجِبَةٌ: وَهِيَ التَّوْحِيْدُ؛ بِأَنْ يَسْتَعِيْنَ بِاللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ دُوْنَ مَا سِوَاهُ فِيْمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، وَإِنَّ صَرْفَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى شِرْكٌ بِهِ.
٢) مَرْتَبَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ: وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَهُ أنْ يَقُوْمَ بِالمَطْلُوْبِ وَحْدَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ شَيْئًا. (٤)
وَهَذِهِ المَرْتَبَةُ قَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ البَيْعَةَ عَلَيْهَا مِنْ عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَمرَهُم أَلَّا يَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا، كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ؛ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ تِسْعَةً، أَوْ ثَمَانِيَةً، أَوْ سَبْعَةً - فَقَالَ: «أَلَا تُبَايِعُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ؟ - وَكُنَّا حَدِيْثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ - قُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ! - حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا -، فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ؛ فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: (أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَتُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَتَسْمَعُوا وَتُطِيْعُوا) - وَأَسَرَّ كَلِمَةً خُفْيَةً - قَالَ: (وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا). قَالَ: فَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ أُوْلَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُهُ؛ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (٥)
- فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن ﵀ فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (٦): (وَالعَجَبُ أَنَّهُم فِي العِرَاقِ يَقُوْلُوْنَ: عِنْدَنَا الحُسَيْنُ؛ فَيَطُوْفُوْنَ قَبْرَهُ وَيَسْأَلُوْنَهُ، وَفِي مِصْرَ كَذَلِكَ، وَفِي سُوْرِيَّا كَذَلِكَ، وَهَذَا سَفَهٌ فِي العُقُوْلِ، وَضَلَالٌ فِي الدِّيْنِ. وَالعَامَّةُ لَا يُلَامُوْنَ فِي الوَاقِعِ، لَكِنْ الَّذِيْ يُلَامُ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَمِنْ غَيْرِ العُلَمَاءِ). (٧)

(١) وَالحَدِيْثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيْفًا؛ فَيَصِحُّ إِيْرَادُهُ عَلَى سَبِيْلِ التَّأْيِيدِ لِمَا كَانَ ثَابِتًا مِنَ الأُصُوْلِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ﵀ فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (٢٥/ ٤): (وَأَهْلُ الحَدِيْثِ لَا يَسْتَدِلُّونَ بِحَدِيْثٍ ضَعِيْفٍ فِي نَقْضِ أَصْلٍ عَظِيْمٍ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيْعَةِ؛ بَلْ إمَّا فِي تَأْيِيدِهِ؛ وَإِمَّا فِي فَرْعٍ مِنَ الفُرُوعِ).
(٢) وَهُنَاكَ وَجْهٌ آخَرُ؛ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ المُنَافِقَ - بِسَبَبِ كَوْنِ كُفْرِهِ غَيْرَ ظَاهِرٍ - فَإِنَّ النَّبِيِّ ﷺ لَا يَسْتَطِيْعُ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِشَيْءٍ لِكَوْنِهِ يَسْتَتِرُ بِكُفْرِهِ ولا يُظْهِرُهُ، فَصَارَ فِيْهِ الدِّلَالَةُ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ مَقَالِيْدُ الأُمُوْرِ وَالإِطِّلَاعُ عَلَى مَا فِي الصُّدُوْرِ.
(٣) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢٨٠٣)، وَالتِّرْمِذِيُّ (٢٥١٦). صَحِيْحُ التِّرْمِذِيُّ (٢٥١٦).
(٤) يَعْنِي بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ وَلَا مِنَّةٍ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ أَمْرُكَ لِزَوْجِكَ وَعَامِلِكَ وَ..
(٥) مُسْلِمٌ (١٠٤٣).
(٦) القَوْلُ المُفِيْدُ (٢٧١/ ١).
(٧) وَقَالَ أَيْضًا ﵀: (فَالذِيْ يَأْتِي لِلبَدَوِيِّ أَوْ لِلدُّسُوْقِيِّ فِي مِصْرَ؛ فَيَقُوْلُ: المَدَدَ! المَدَدَ! أَوْ: أَغِثْنِي؛ لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا، وَلَكِنْ قَدْ يُبْتَلى فَيِأْتِيْهِ المَدَدُ عِنْدَ حُصُوْلِ هَذَا الشَّيْءِ لَا بِهَذَا الشَّيْءِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يَأْتِي بِالشَّيْءِ وَمَا يَأْتِيْ عِنْدَ الشَّيْءِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: امْرَأَةٌ دَعَتِ البَدَوِيَّ أَنْ تَحْمِلَ، فلمَّا جَامَعَهَا زُوْجُهَا حَمَلَتْ - وَكَانَتْ سَابِقًا لَا تَحْمِلُ - فَنَقُوْلُ هُنَا: إِنَّ الحَمْلَ لَمْ يَحْصُلْ بِدُعَاءِ البَدَوِيِّ، وَإنِّمَا حَصَلَ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُوْنِ اللهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيْبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ﴾).

1 / 99