التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

خلدون نغوي ت. غير معلوم
87

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

تصانيف

الشَّرْحُ - قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (١): (وَقَوْلُهُ ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوْذُوْنَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوْهُمْ رَهَقًا﴾ أَيْ: كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فَضْلًا عَلَى الإِنْسِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعُوْذُوْنَ بِنَا إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا أَوْ مَكَانًا مُوحِشًا مِنَ البَرَارِي وَغَيْرهَا - كَمَا كَانَتْ عَادَةُ العَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتهَا - يَعُوْذُوْنَ بِعَظِيْمِ ذَلِكَ المَكَانِ مِنَ الجَانِّ أَنْ يُصِيْبَهُمْ بِشَيْءٍ يَسُوْءُهُمْ؛ كَمَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ بِلَادَ أَعْدَائِهِ فِي جِوَارِ رَجُل كَبِيْرٍ وَذِمَامِهِ وَخِفَارَتِهِ، فَلَمَّا رَأَتِ الجِنُّ أَنَّ الإِنْسَ يَعُوْذُوْنَ بِهِمْ - مِنْ خَوْفهمْ مِنْهُمْ - زَادُوْهُمْ رَهَقًا أَيْ: خَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا حَتَّى بَقُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ مَخَافَةً، وَأَكْثَرَ تَعَوُّذًا بِهِمْ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: ﴿فَزَادُوْهُمْ رَهَقًا﴾ أَيْ: إِثْمًا وَازْدَادَتِ الجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً). - قَوْلُهُ (اسْتَعَاذَ) هُوَ عَلَى وَزْنِ (اسْتَفْعَلَ)، وَهَذَا البِنَاءُ (الأَلِفُ وَالسِّيْنُ وَالتَّاءُ) يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ لُغَةً: ١) الطَّلَبُ: كَحَدِيْثِ مُسْلِمٍ القُدْسِيِّ (يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي) (٢)، وَأَيْضًا حَدِيْثِ مُسْلِمٍ القُدْسِيِّ الآخَرِ (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُوْنِي أَهْدِكُمْ). (٣) ٢) كَثْرَةُ الوَصْفِ فِي الفِعْلِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيْسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِيْنَ﴾ (البَقَرَة:٣٤). وَالمَعْنَى أَنَّ إِبْلِيْسَ زَادَ فِي كِبْرِهِ وَتَعَاظَمَ، وَمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى أَيْضًا ﴿وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيْدٌ﴾ (التَّغَابُن:٦). - الاسْتِعَاذَةُ: طَلَبُ العَوْذِ؛ قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٤): (وَالِاسْتِعَاذَة: هِيَ الِالْتِجَاءُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَالِالْتِصَاقُ بِجَنَابِهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَالعِيَاذَةُ تَكُوْنُ لِدَفْعِ الشَّرِّ، وَاللِّيَاذُ يَكُوْنُ لِطَلَبِ جَلْبِ الخَيْرِ، كَمَا قَالَ المُتَنَبِّي - مَادِحًا لِرَجُلٍ؛ وَلَا يَصْلُحُ مَا قَالَ إِلَّا للهِ تَعَالَى -: (يَا مَنْ أَلُوذ بِهِ فِيْمَا أُؤَمِّلهُ ... وَمَنْ أَعُوذ بِهِ مِمَّنْ أُحَاذِرهُ لَا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاسِره ... وَلَا يَهِيْضُوْنَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِرُهُ) - الاسْتِعَاذَةُ تَتَضَمَّنُ عَمَلَيْنِ: ١) عَمَلٌ بَاطِنٌ: وَهُوَ تَوَجُّهُ القَلْبِ وَسَكَنُهُ وَاضْطِرَارُهُ وَحَاجَتُهُ إِلَى هَذَا المُسْتَعَاذِ بِهِ، وَاعْتِصَامُهُ بِهِ، وَتَفْوِيْضُ أَمْرِ نَجَاتِهِ إِلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَجُوْزُ لِغَيْرِ اللهِ وَحْدَهُ سَوَاءً كَانَ المَطْلُوْبُ فِي طَاقَةِ المَخْلُوْقِ أَمْ لَا. ٢) عَمَلٌ ظَاهِرٌ: وَهُوَ الطَّلَبُ، وَهَذَا القَدْرُ وَحْدَهُ يَجُوْزُ مِنَ المَخْلُوْقِ إِذَا اجْتَمَعَتْ فِيْهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: حَيٌّ، حَاضِرٌ، قَادِرٌ (٥). وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ فَإِنَّ طَلَبَهُ مِنْ غَيْرِ اللهِ شِرْكٌ.

(١) (٢٣٩/ ٨). (٢) مُسْلِمٌ (٢٥٦٩) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا. (٣) مُسْلِمٌ (٢٥٧٧) عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوْعًا. (٤) (١١٤/ ١). (٥) كَمَا فِي البُخَارِيِّ (٣٦٠١)، وَمُسْلِمٍ (٢٨٨٦) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا (سَتَكُوْنُ فِتَنٌ؛ القَاعِدُ فِيْهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيْهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ).

1 / 87