- أَنْوَاعُ النِّفَاقِ:
١) النِّفَاقُ الاعْتِقَادِيُّ: وَهُوَ النِّفَاقُ الأَكْبَرُ الَّذِي يُظْهِرُ فِيْهِ صَاحِبُهُ الإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الكُفْرَ، وَهَذَا النَّوْعُ مُخْرِجٌ مِنَ الدِّيْنِ بِالكُلِّيَّةِ. (١)
٢) النِّفَاقُ العَمَلِيُّ: وَهُوَ عَمَلُ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ المُنَافِقِيْنَ مَعَ بَقَاءِ الإِيْمَانِ فِي القَلْبِ، وَهَذَا لَا يُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ، لَكِنَّهُ وَسِيْلَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَصَاحِبُهُ يَكُوْنُ فِيْهِ إِيْمَانٌ وَنِفَاقٌ، وَإِذَا كَثُرَ صَارَ بِسَبَبِهِ مُنَافِقًا خَالِصًا (٢)، وَالدَّلِيْلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ: (أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ؛ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (٣)
- أَنْوَاعُ الكُفْرِ: قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀ (٤):
(أَنْوَاعُ الكُفْرِ: كُفْرٌ أَكْبَرٌ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ، وَكُفْرٌ أَصْغَرٌ، وَهُوَ الكُفْرُ العَمَلِيُّ.
وَالكُفْرُ الأَكْبَرُ أَنْوَاعُهُ:
١) كُفْرُ التَّكْذِيْبِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِيْنَ﴾ (العَنْكَبُوْت:٦٨).
٢) كُفْرُ الإبَاءِ وَالاسْتِكْبَارِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيْسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِيْنَ﴾ (البَقَرَة:٣٤).
٣) كُفْرُ الظَّنِّ (الشَّكِّ)، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيْدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِيْ خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ (الكَهْف:٣٨).
٤) كُفْرُ الإِعْرَاضِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِيْنَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُوْنَ﴾ (الأَحْقَاف:٣).
٥) كفرُ النِّفاقِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوْبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُوْنَ﴾ (المُنَافِقُوْن:٣).
وَالكُفْرُ الأَصْغَرُ: هُوَ كُفْرٌ لَا يُخْرِجُ عَنِ المِلَّةِ، وَهُوَ الكُفْرُ العَمَلِيُّ، وَهُوَ فِعْلُ الذُّنُوْبِ الَّتِيْ وَرَدَتْ تَسْمِيَتُهَا فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كُفْرًا وَلَا تَصِلُ إِلَى حَدِّ الكُفْرِ الأَكْبَرِ (٥)، مِثْلُ كُفْرِ النِّعْمَةِ المَذْكُوْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيْهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ﴾ (النَّحْل:١١٢».
_________
(١) قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀:
(وَهَذَا النِّفَاقُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ:
تَكْذِيْبُ الرَّسُوْلِ ﷺ، أَوْ تَكْذِيْبُ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ ﷺ.
أَوْ بُغْضُ الرَّسُوْلِ ﷺ، أَوْ بُغْضُ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ ﷺ.
أَوِ المَسَرَّةُ بِانْخِفَاضِ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ﷺ، أَوِ الكَرَاهِيَةُ لِانْتِصَارِ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ﷺ. مَجْمُوْعَةُ التَّوْحِيْدِ النَّجْدِيَّةِ (ص١١).
(٢) قَالَ ابْنُ القَيِّمِ ﵀ فِي كِتَابِهِ (الصَّلَاةُ وَحُكْمُ تَارِكِهَا) (ص٦٠): (وَلَكِنْ إِذَا اسْتَحْكَمَ وكَمُلَ فَقَدْ يَنْسَلِخُ صَاحِبُهُ عَنِ الإِسْلَامِ بِالكُلِّيَّةِ - وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ -، فَإِنَّ الإِيْمَانَ يَنْهَى المُؤْمِنَ عَنْ هَذِهِ الخِلَالِ، فَإِذَا كَمُلَتْ فِي العَبْدِ؛ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَنْهَاهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا؛ فَهَذَا لَا يَكُوْنُ إِلَّا مُنَافِقًا خَالِصًا).
وَقَالَ النَّوَوِيُّ ﵀ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (٤٧/ ٢): (فَالَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ - أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ خِصَالُ نِفَاقٍ وَصَاحِبُهَا شَبِيهٌ بالمنافقين فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ، فَإِنَّ النِّفَاقَ هُوَ إِظْهَارُ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَاحِبِ هَذِهِ الْخِصَالِ، وَيَكُونُ نِفَاقُهُ فِي حَقِّ مَنْ حَدَّثَهُ وَوَعَدَهُ وَائْتَمَنَهُ وَخَاصَمَهُ وَعَاهَدَهُ مِنَ النَّاسِ؛ لَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ فِي الْإِسْلَامِ فَيُظْهِرُهُ وَهُوَ يُبْطِنُ الْكُفْرَ! وَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ ﷺ بِهَذَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ نِفَاقَ الْكُفَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَقَوْلُهُ ﷺ (كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا) مَعْنَاهُ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْمُنَافِقِينَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِصَالِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ غَالِبَةً عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ يَنْدُرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ﵁ مَعْنَاهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ نِفَاقُ الْعَمَلِ).
قُلْتُ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ القَيِّمِ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْلَةِ العُلَمَاءِ ﵏، وَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ القَيِّمِ ﵀ قَيَّدَهُ بِـ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَنْهَاهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا)، فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ فَهُوَ لَمْ يَنْقَدْ لِلإسلَامِ أَصْلًا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيْهِ ابْنِ القَيِّمِ هَذَا وَلَا بُدَّ؛ وَذَلِكَ لِصَرَاحَةِ الحَدِيْثِ فِي قَوْلِهِ «مُنَافِقًا خَالِصًا»، وَإِلَّا فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الخُلُوْصِ هُنَا؟؟
(٣) البُخَارِيُّ (٣٤)، وَمُسْلِمٌ (٥٨) مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَمْرو مَرْفُوْعًا.
(٤) مَجْمُوْعَةُ التَّوْحِيْدِ (ص١٠) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ.
(٥) كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقُ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٨)، وَمُسْلِمٌ (٦٤).
1 / 5