الشَّرْحُ
- مُنَاسَبَةُ البَابِ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الأَبْوَابِ المُتَعَلِّقَةِ بِالسِّحْرِ هُوَ أَنَّ التَّطَيُّرَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِهِ بِنَصِّ الحَدِيْثِ. (١)
- وَحَقِيْقَتُهُ: التَّشَاؤُمُ أَوِ التَّفَاؤُلُ بِحَرَكَةِ الطَّيْرِ مِنَ السَّوَانِحِ وَالبَوَارِحِ أَوِ النَّطِيْحِ أَوِ القَعِيْدِ، أَوْ بِغَيْرِ الطَّيْرِ مِنَ الحَوَادِثِ. (٢)
- التَّطَيُّرُ يُنَافِي كَمَالَ التَّوْحِيْدِ الوَاجِبِ؛ لِأَنَّه شِرْكٌ أَصْغَرٌ. وَسَبَبُ كَوْنِهِ شِرْكًا هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:
١) مُنَافَاتُهُ لِلتَّوَكُّلِ؛ لِتَعَلُّقِ القَلْبِ بِهِ دُوْنَ اللهِ تَعَالَى، وَسَبَقَ الكَلَامُ فِي بَابِ (مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيْدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حَسَابٍ) عَنْ عَلَاقَةِ التَّوَكُّلِ بِتَرْكِ الطِّيَرَةِ. (٣)
٢) اعْتِقَادُ سَبَبِ النَّفْعِ أَوِ الضُّرِ فِي الطَّائِرِ وَنَحْوِهِ؛ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْهُ الشَّرْعُ سَبَبًا. (٤)
٣) رَجْمٌ بِالغَيْبِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُوْنَ أَيَّانَ يُبْعَثُوْنَ﴾ (النَّمْل:٦٥).
- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوْسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُوْنَ﴾ (الأَعْرَاف:١٣١) (٥)، قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ ﵁: (﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ﴾ يَقُوْلُ: مَصَائِبُهُم عِنْدَ اللهِ وَمِنْ قِبَلِه). (٦)
- قَالَ تَعَالَى: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيْمٌ، قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُوْنَ﴾ (يَس:١٩)، فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ أَيْ: مَرْدُوْدٌ عَلَيْكُم، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: أَعْمَالُكُم مَعَكُم.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُوْنَ﴾ (٧) أَيْ: مِنْ أَجْلِ أنَّا ذَكَّرْنَاكُم وَأَمَرْنَاكُم بِتَوْحِيْدِ اللهِ وَإِخْلَاصِ العِبَادَةِ لَهُ؛ قَابَلْتُمُونَا بِهَذَا الكَلَامِ وَتَوَعَدْتُمُوْنَا وتَهَدَّدْتُمُوْنَا! بَلْ أَنْتُم قَوْمٌ مُسْرِفُوْنَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: إِنْ ذَكَّرْنَاكُم بِاللهِ تَطَيَّرْتُم بِنَا؛ بَلْ أَنْتُم قَوْمٌ مُسْرِفُوْنَ. (٨)
(١) أَيْ: حَدِيْثِ قَبِيْصَةَ مَرْفُوْعًا (إِنَّ العِيَافَةَ وَالطَّرْقَ وَالطِّيَرَةَ مِنَ الجِبْتِ). ضَعِيْفٌ. أَبُو دَاوُدَ (٣٩٠٧). وَقَدْ سَبَقَ الكَلَامُ عَلَيْهِ.
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٢١٣/ ١٠): (وَكَانُوا يَتَيَمَّنُوْنَ بِالسَّانِحِ وَيَتَشَاءَمُوْنَ بِالبَارِحِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن رَمْيُهُ إِلَّا بِأَنْ يَنْحَرِف إِلَيْهِ، ...، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ عُقَلَاء الجَاهِلِيَّة يُنْكِر التَّطَيُّر وَيَتَمَدَّح بِتَرْكِهِ.
قَالَ شَاعِرٌ مِنْهُمْ: (لَعُمْرُكَ مَا تَدْرِي الطَّوَارِقُ بِالحَصَى ... وَلَا زَاجَرَتُ الطَّيْرِ مَا اللهُ صَانِعُ».
(٣) لَكِنْ لَوْ اعْتَقَدَ هَذَا المُتَشَائِمُ المُتَطَيِّرُ أَنَّ هَذَا فَاعِلٌ بِنَفْسِهِ دُوْنَ اللهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَعَ اللهِ شَرِيْكًا فِي الخَلْقِ وَالإِيْجَادِ.
(٤) وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَى هَذِهِ القَاعِدَةِ فِي بَابِ الاسْتِسْقاءِ بِالأَنْوَاءِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
(٥) المُرَادُ بِالحَسَنَةِ هُنَا: الخَصْبُ وَالأَرْزَاقُ وَنُزُوْلُ الأَمَطْارِ.
(٦) تَفْسِيْرُ ابْنِ كَثِيْرٍ (٤٦١/ ٣) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ.
(٧) قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (٥٦٢/ ١): (وَقَوْلُهُ ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُوْنَ﴾ يَنْبَغِي أَنْ تَقِفَ عَلَى قَوْلِهِ ﴿ذُكِّرْتُمْ﴾ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوْفٌ تَقْدِيْرُهُ: أَئِنْ ذُكِّرْتُم تَطَيَّرْتُم! وَعَلَى هَذَا فَلَا تَصِلْهَا بِمَا بَعْدَهَا.
(٨) تَفْسِيْرُ ابْنِ كَثِيْرٍ (٥٧٠/ ٦).
1 / 250