232

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

تصانيف

مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- مَسْأَلَةٌ) هَلْ مِنَ الكِهَانَةِ مَا يُخْبَرُ بِهِ الآنَ مِنْ أَحْوَالِ الطَّقْسِ فِي خِلَالِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ سَاعَةً قَادِمَةً، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؟
وَالجَوَابُ: لَا، لِأَنَّه يَسْتَنِدُ إِلَى أُمُوْرٍ حِسِّيَّةٍ، وَهِيَ تَكَيُّفُ الجَوُّ، لِأَنَّ الجَوَّ يَتَكَيَّفُ عَلَى صِفَةٍ مُعيَّنَةٍ تُعْرَفُ بِالمَوَازِيْنِ الدَّقِيقَةِ عِنْدَ أَهْلِ الخِبْرَةِ، فَيَكُوْنُ الجَوُّ مَثَلًا صَالِحًا لِأَنْ يُمْطِرَ أَوْ لَا يُمْطِرَ، وَنَظِيْرُ ذَلِكَ فِي العِلْمِ البَدِيْهِيِّ أَنَّنَا إِذَا رَأَيْنَا تَجَمُّعَ الغُيْومِ وَالرَّعَدَ وَالبَرْقَ وَثِقَلَ السَّحَابِ؛ نَقُوْلُ يُوْشِكُ أَنْ يَنْزِلَ المَطَرُ، فَمَا اسْتَنَدَ إِلَى شَيْءٍ مَحْسُوْسٍ؛ فَلَيْسَ مِنْ عِلْمِ الغَيْبِ. (١)
لَكِنَّ هَذَا - وَإِنْ كَانَ سَبَبًا حَقِيْقِيًّا - فَإِنَّهُ لَا يُتَعَلَّقُ بِهِ فِي نِسْبَةِ المَطَرِ إِلَيْهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِيْ أَجْرَاهُ؛ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيْهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيْبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ﴾ (النُّوْر:٤٣). (٢)

(١) وَنَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِيْ أَطْلَعَهُم عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ جَعَلَ لَهُم وَسِيْلَةً حَقِيْقيَّةً مُبَاحَةً إِلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ الكَهَنَةِ الَّذِيْنَ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ تَعَالَى لَهُم وَسِيْلَةً إِلَى تِلْكَ المَعْرِفَةِ؛ فَيَكُوْنُوْنَ كَذَبَةً فِي دَعْوَاهُم تِلْكَ.
(٢) قُلْتُ: وَالتَّعَلُّقُ بِهَذِهِ الأَسْبَابِ، وَنِسْبَةُ نُزُوْلِ المَطَرِ إِلَيْهَا، مَعَ الغَفْلَةِ عَنِ الرَّزَّاقِ ﷾ وَعَنْ رَحْمَتِهِ وحِكْمَتِهِ؛ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنَ الكُفْرِ - وَإِنْ لَمْ يَكْنْ كُفْرًا أَكْبَرًا - فَهُوَ مِنْ كُفْرِ النِّعْمَةِ، فَاليَوْمَ ذَهَبَتْ أَنْوَاءُ الجَاهِلِيَّةِ وَجَاءَتِ المُنْخَفَضَاتُ الجَويَّةُ.

1 / 232