التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

خلدون نغوي ت. غير معلوم
20

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

تصانيف

فَوَائِدُ عَلَى الحَدِيْثِ: - فَائِدَة ١) فِي البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيْثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ لَفْظُ (مُتَمَاسِكِيْنَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الجَنَّةَ، وَوُجُوْهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ). (١) - فَائِدَة ٢) فِي لَفْظِ مُسْلِمٍ سِيَاقٌ آخَرُ وَهُوَ (رَخَّصَ مِنَ النَّمْلَةِ) (٢) (٣)، وَفِي هَذَا دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالسُّمِّ كُلُّ مَا عَرَضَ لِلبَدَنِ مِنْ قَرْحِ وَنَحْوِهِ مِنَ المَوَادِ السُّمِّيَّةِ. (٤) - فَائِدَة ٣) إِنَّ طَلَبَ عُكَّاشَةَ الدُّعَاءَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ لَا يَنْفِي عَنْهُ كَوْنَهُ مِنَ السَّبْعِيْنَ أَلْفًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ دُعَاءَ الرَّسُوْلِ ﷺ لَيْسَ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ يُدْرَجُ تَحْتَ قَاعِدَةِ مَا مُنِعَ سَدًّا لِلذَّرِيْعَةِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ. (٥) (٦) وَنَقَلَ الشَّاطِبِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (الاعْتِصَامُ) مِنْ كِتَابِ (التَّهْذِيْب) لِلطَّبَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى كَثِيْرًا مِنَ الآثَارِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِيْنَ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم - كَانُوا يَكْرَهُوْنَ تَقَصُّدَ النَّاسِ لَهُم لِلدُّعَاءِ، وَيَقُوْلُوْنَ لَهُم: (لَسْنَا بِأَنْبِيَاءٍ، أَنَحْنُ أَنْبِيَاءُ؟!). (٧) - فَائِدَة ٤) فِي مَسْأَلَةِ التَّدَاوِي: قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ﵀ فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (٨): (فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَنَازَعُوا فِي التَّدَاوِي هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ؟ وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَكْرُوْهٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُبَاحٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ يَكُوْنُ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ: مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ بَقَاءُ النَّفْسِ لَا بِغَيْرِهِ؛ كَمَا يَجِبُ أَكْلُ المَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُوْرَةِ؛ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْد الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَجُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ، وَقَدْ قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ المَيْتَةِ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فقَدْ يَحْصُلُ أَحْيَانًا لِلْإِنْسَانِ إذَا اسْتَحَرَّ المَرَضُ مَا إنْ لَمْ يَتَعَالَجْ مَعَهُ مَاتَ، وَالعِلَاجُ المُعْتَادُ تَحْصُلُ مَعَهُ الحَيَاةُ كَالتَّغْذِيَةِ لِلضَّعِيْفِ وَكَاسْتِخْرَاجِ الدَّمِ أَحْيَانًا). (٩) - فَائِدَة ٥) حَدِيْثُ دُخُوْلِ السَّبْعِيْنَ أَلْفًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَرْتَبَتَهُم أَعْلَى مِنْ مَرْتَبَةِ غَيْرِهِم مُطْلَقًا، وَذَلِكَ لِمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ رِفَاعَةَ الجُهَنِيِّ قَالَ: صَدَرْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: (وَالَّذِيْ نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ يُؤْمِنُ ثُمَّ يُسَدِّدُ إِلَّا سُلِكَ بِهِ فِي الجَنَّةِ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ حَتَّى تَبَوَّؤُوا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ذُرِّيَاتِكُمْ مَسَاكِنَ فِي الجَنَّةِ، وَلَقَدْ وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِيْنَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (١٠)، وَالشَّاهِدُ مِنْهُ هُوَ فِي قَوْلِهِ (أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ حَتَّى تَبَوَّؤُوا أَنْتُمْ)، فَفِيْهِ بَيَانُ أَنَّ مَنْزِلَةَ الصَّحَابَةِ فَوْقَ مَنْزِلَةِ أُوْلَئِكَ مُطْلَقًا. - فَائِدَة ٦) مَعْنَى (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ): أَيْ: لَا رُقْيَةَ أَشْفَى وَأَوْلَى مِنْ رُقْيَةِ العَيْنِ وَالحُمَةِ، نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الخَطَّابِيِّ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى، وَكَذَا قَالَ البَغَوِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (شَرْحُ السُّنَّةِ). (١١) - فَائِدَة ٧) قَوْلِ المُصَنِّفِ ﵀ فِي المَسْأَلَةِ العَاشِرَةِ فِي قَوْلِهِ (فَضِيْلَةُ أَصْحَابِ مُوْسَى) صَوَابُهُ (كَثْرَةُ) كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن ﵀ فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ). (١٢)

(١) البُخَارِيُّ (٦٥٤٣). (٢) مُسْلِمٌ (٢١٩٦). (٣) وَالنَّمْلَةُ: هِيَ قُرُوْحٌ تَخْرُجُ فِي الجَنْبِ. (٤) مُسْتَفَادٌ مِنْ رِسَالَةِ (التَّبَرُّكُ) (ص٢٢٣) لِلشَّيْخِ نَاصِرِ الجديْع. (٥) وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ القَاعِدَةَ ابْنُ القيَّمِ ﵀ فِي كِتَابِهِ (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) (١٠٨/ ٢). (٦) وَذَلِكَ لِأَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ ﷺ لَيْسَ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ. وَمِثْلُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (٢٥٤٢) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ﵁؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ يَقُوْلُ: (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ - وَلَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ - لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبرَّهُ وَ- كَانَ بِهِ بَيَاضٌ - فُمُرُوْهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ)، فَلَمَّا لَقِيَهُ عُمَرُ قَالَ الحَدِيْثَ، ثُمَّ قَالَ (فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ). وَعِنْدِيْ أَيْضًا وَجْهٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: وَهُوَ أَنَّ المَنْعَ هُوَ بِاعْتِبَارِ الدَّيْدَنِ وَكَثْرَةِ الطَّلَبِ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا كَانَ عَارِضًا كَمَصْلَحَةٍ أَوْ نَادِرًا، وَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ فِي جَعْلِهِ دَيْدَنًا مَا اشْتُهِرَ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ بِقَوْلِهِم: (اُدْعُ لَنَا) كُلَّمَا رَآكَ أَوْ فَارَقَكَ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (٧) الاعْتِصَامُ (٥٠١/ ١)، وَقَالَ أَيْضًا ﵀: (وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ: غَفَرَ لَكَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللهُ لَكَ وَلَا لِذَاكَ أَنَبِيٌّ أَنَا؟ فَهَذَا أَوْضَحَ فِي أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَمْرًا زَائِدًا؛ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ فِيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ النَّبِيِّ، أَوْ أَنَّهُ وَسِيْلَةٌ إِلَى أَنْ يُعْتَقَدَ ذَلِكَ، أَوْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ تَلْزَمُ، أَوْ يَجْرِي فِي النَّاسِ مَجْرَى السُّنَنِ المُلْتَزَمَةِ، وَذَلِكَ يُخْرِجُ المَشْرُوْعَ عَنْ كَوْنِهِ مَشْرُوْعًا، وَيُؤَدِّي إِلَى التَّشيُّعِ وَاعْتِقَادِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَقَدْ تَبيَّنَ هَذَا المَعْنَى بِحَدِيْثٍ رَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ؛ فَقَالَ: يَا أَبَا عِمْرَانَ! اُدْعُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَنِي، فَكَرِهَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيْمُ وَقَطَبَ وَقَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُذَيْفَةَ فَقَالَ: اُدْعُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللهُ لَكَ. فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: فَأَدْخَلَكَ اللهُ مُدْخَلَ حُذَيْفَةَ، أَقَدْ رَضِيْتَ؟! .... وَهَذِهِ الآثَارُ مِنْ تَخْرِيْجِ الطَّبَرِيِّ فِي تَهْذِيْبِهِ). (٨) مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى (١٢/ ١٨). (٩) وَ(التَّدَاوِي عَلَى أَقْسَامٍ: فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ نَفْعُ الدَّوَاءِ - مَعَ احْتِمَالِ الهَلَاكِ بِتَرْكِهِ - فَالتَّدَاوِي وَاجِبٌ. وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ نَفْعُ الدَّوَاءِ - وَلكِنْ لَيْسَ هُنَاكَ احْتِمَالٌ لِلْهَلَاكِ بِتَرْكِ الدَّوَاءِ - فَالتَّدَاوِي أَفْضَلُ. وَإِنْ تَسَاوَى الأَمْرَانِ؛ فَتَرْكُ التَّدَاوِي أَفْضَلُ). اُنْظُرْ مَجْمُوْعَ فَتَاوَى الشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْن ﵀ (١٧/ ١٣). (١٠) صَحِيْحٌ. ابْنُ مَاجَه (٤٢٨٥). الصَّحِيْحَةُ (٢٤٠٥). وَقَوْلُهُ (صَدَرْنَا)؛ أَيْ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوٍ أَوْ سَفَرٍ. (١١) شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (٩٣/ ٣)، شَرْحُ السُّنَّةِ لِلبَغَوِيِّ (١٦٢/ ١٢). (١٢) القَوْلُ المُفِيْدُ (١٠٨/ ١).

1 / 20