191

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

تصانيف

- قَوْلُهُ (حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ): أَي الكَوْنِيُّ، وَذَلِكَ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ عِنْدَمَا يَأْتِي أَمْرُهُ ﷾ بِأَنْ تَقْبِضَ الرِّيْحُ الطَّيّبَةُ نَفْسَ كُلِّ مُؤْمِنٍ فَلَا يَبْقَى إِلَّا شِرَارُ الخَلْقِ، وَعَلَيْهِم تَقُوْمُ السَّاعَةُ. (١)
- قَوْلُهُ (سَيَكُوْنُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُوْنَ ثَلَاثُوْنَ): وَهُم مَنْ كَانَ لَهُ شَأْنٌ وَشَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ وَاتَّبَعَهُم أُنَاسٌ كَثِيْرٌ، وَإلَّا فَالكَذَّابُوْنَ المُدَّعُوْنَ لِلنُّبُوَّةِ كَثِيْروْنَ.
- قَوْلُهُ (تَبَارَكَ): الصَّوَابُ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِاللهِ ﷿، وَأَمَّا العَبْدُ فَهُوَ مُبَارَكٌ. (٢)
- المُخْتَارُ هُوَ ابْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفيُّ، خَرَجَ وَغَلَبَ عَلَى الكُوْفَةِ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ﵁، وَأَظْهَرَ مَحَبَّةَ آلِ البَيْتِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الثَّأْرِ مِنْ قَتَلَةِ الحُسَيْنِ، فَتَتَبَّعَهُم وَقَتَلَ كَثِيْرًا مِمَّنْ بَاشَرَ ذَلِكَ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ، فَانْخَدَعَتْ بِهِ العَامَّةُ، ثُمَّ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَزَعَمَ أَنَّ جِبْرِيْلَ يَأْتِيْهِ.
- قَوْلُ المُصَنِّفِ ﵀ فِي المَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ (مَا مَعْنَى الإِيْمَانِ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوْتِ فِي هَذَا المَوْضِعِ؛ هَلْ هُوَ اعْتِقَادُ قَلْبٍ، أَوْ هُوَ مُوَافَقَةُ أَصْحَابِهَا مَعَ بُغْضِهَا وَمَعْرِفَةُ بُطْلَانِهَا؟):
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن ﵀ فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (٣): (أمَّا إِيْمَانُ القَلْبِ وَاعْتِقَادُهُ؛ فَهَذَا لَا شَكَّ فِي دُخُوْلِهِ فِي الآيَةِ، وَأَمَّا مُوَافَقَةُ أَصْحَابِهَا فِي العَمَلِ مَعَ بُغْضِهَا وَمَعْرِفَةِ بُطْلَانِهَا، فَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيْلٍ، فَإِنْ كَانَ وَافَقَ أَصْحَابَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا صَحِيْحَةٌ فَهَذَا كُفْرٌ، وَإِنْ كَانَ وَافَقَ أَصْحَابَهَا وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّهَا صَحِيْحَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ، لَكِنَّهُ لَا شَكَّ عَلَى خَطَرٍ عَظِيْمٍ يُخْشَى أَنْ يُؤَدِّي بِهِ الحَالُ إِلَى الكُفْرِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ). (٤)
قُلْتُ: وَعِنْدِي وَجْهٌ آخَرُ فِي تَوْجِيْهِ كَلَامِ المُصَنِّفِ ﵀ وَتَصْحِيْحِهِ؛ وَذَلِكَ بِكَوْنِ المُوَافَقَةِ ظَاهِرًا تَكُوْنُ كُفْرًا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي القَلْبِ اطْمِئْنَانٌ بِالتَّوْحِيْدِ أَصْلًا وَانْقِيَادٌ لَهُ - كَحَالِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالعِلْمَانِيِّيْنَ وَأَشْبَاهِهِم. (٥)
- فَائِدَةٌ) جَرَى فِي هَذِهِ الأُمَّةِ كَثِيْرٌ مِنِ اتِّبَاعِ الأُمَمِ المَاضِيَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِهَا، وَمِنْهَا عَلَى سَبِيْلِ المِثَالِ:
بِنَاءُ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُوْرِ.
عِبَادَةُ القُبُوْرِ؛ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ المُشْرِكِيْنَ ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوْثَ وَيَعُوْقَ وَنَسْرًا﴾ (نُوْح:٢٣).
نُفَاةُ الصِّفَاتِ؛ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَهُمْ يَكْفُرُوْنَ بِالرَّحْمَنِ﴾ (الرَّعْد:٣٠).
آكِلِيْنَ الرِّبَا؛ مَعَ آكِلِي السُّحْتِ.
إِقَامَةُ الحُدُوْدِ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَتَرْكُ الشُّرَفَاءِ.
تَحْرِيْفُهُم (اسْتَوَى) إِلَى (اسْتَوْلَى)؛ مَعَ ﴿مِنَ الَّذِيْنَ هَادُوا يُحَرِّفُوْنَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ (النِّسَاء:٤٦).
التَّعَصُّبُ لِلمَشَايِخِ عَلَى حِسَابِ الحَقِّ؛ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُوْنِ اللهِ وَالمَسِيْحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ (التَّوْبَة:٣١).
قَوْلُهُم عَنِ المُتَمَسِّكِيْنَ بِالسُّنَّةِ أَنَّهُم رَجْعِيُّوْنَ؛ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّوْنَ﴾ (المُطَفِّفِيْن:٣٢).

(١) قَالَ النَّوَوِيُّ ﵀ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (٦٦/ ١٣): (حَتَّى تَقُوْمَ السَّاعَةُ) أَيْ: (تَقْرُبَ السَّاعَةُ، وَهُوَ خُرُوْجُ الرِّيْحِ).
(٢) وَالبَرَكَةُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى هِيَ مِنْ جهتين: فِعْلُهُ (أَنَّهُ تَعَالَى جَاءَ بِكُلِّ بَرَكَةٍ)، وَوَصْفُهُ (تَبَارَكَ: تَعَاظَمَ).
(٣) القَوْلُ المُفِيْدُ (٤٨٣/ ١).
(٤) قُلْتُ: وَالمُوَافَقَةُ فِي الظَّاهِرِ لَا تَكُوْنُ كُفْرًا إنْ كَانَتْ أَيْضًا مِنْ بَابِ المُنَاظَرَةِ وَالمُحَاجَّةِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الآفِلِيْنَ﴾ (الأَنْعَام:٧٦) (٢٩٢/ ٣): (وَالحَقُّ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ ﵊ كَانَ فِي هَذَا المَقَامِ مُنَاظِرًا لِقَوْمِهِ مُبَيِّنًا لَهُمْ بُطْلَانَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الهَيَاكِلِ وَالأَصْنَامِ).
(٥) وَرَاجِعْ لُزُوْمًا المَسْأَلَةَ الأُوْلَى مِنْ (بَابِ مَا جَاءَ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ اللهِ) فَإِنَّ فِيْهَا تَحْقِيْقًا مُفِيْدًا لِمِثْلِ هَذِهِ المَسْأَلَةِ.

1 / 191