181

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

تصانيف

- قَوْلُهُ (وَصَلُّوا عَلَيَّ فإنَّ تَسْلِيْمَكُمْ): هَذَا يُسَمَّى الطَيَّ والنَّشْرَ، أَيْ: صَلُّوا عَلَيَّ وسَلِّمُوا؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُم وَتَسْلِيْمَكُم تَبْلُغُنِي.
وَالمُرَادُ: صَلُّوا عَلَيَّ فِي أَيِّ مَكَانٍ كُنْتُم؛ وَلَا حَاجَةَ إِلَى أَنْ تَأْتُوا إِلَى القَبْرِ وَتُسَلِّمُوا عَلَيَّ وَتُصَلُّوا عَلَيَّ عِنْدَهُ.
- إِنَّ الدَّفْنَ فِي البُيُوْتِ مَنْهيٌّ عَنْهُ، وَمِنْ مَضَارِّهِ:
١) ذَرِيْعَةٌ إِلَى الشِّرْكِ: لِأَنَّ البَيْتَ تُقَامُ فِيْهِ صَلَوَاتُ النَّافِلَةِ (وَالفَرَائِضُ لِلنِّسَاءِ) - عَلَى الأَقَلِّ -، فيُخْشَى مِنَ الغُلوِّ فِيْهِ واتِّخَاذِهِ مَسْجِدًا، عَدَا عَنْ كَوْنِ تَخْصِيْصِهِ بِهَذَا الدَّفْنِ يُعْطِيْهِ مَزِيَّةً عَنْ غَيْرِهِ مِنَ القُبُوْرِ، فَلَا تُؤْمَنُ مَعَهُ الفِتْنَةُ. (١)
٢) حِرمَاُن الميِّتِ مِنْ دَعَوَاتِ المُسْلِمِيْنَ - وَهُوَ دُعَاءُ دُخُوْلِ المَقْبَرَةِ عَلَى الأَقَلِّ - لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُم، وَأَيْضًا لِكَثْرَةِ مَنْ يَزُوْرُ المَقَابِرَ مُقَارَنَةً مَعَ مَنْ يَزُوْرُ ذَلِكَ البَيْتَ.
٣) يُضَيِّقُ عَلَى الوَرَثَةِ مَسْكَنَهُم، وَيَمْنَعُ مِيْرَاثَهُم مِنَ البَيْتِ لِحُرْمَةِ المَدْفُوْنِ فِيْهِ مِنْ نَبْشِ قَبْرِهِ أَوِ امْتِهَانِهِ، فَلَا يَتَمَكَّنُوْنَ مِنْ أَغْلَبِ وُجُوْهِ الانْتِفَاعِ بِهِ.
٤) لَا يُذَكِّرُ الآخِرَةَ، لِأَنَّ أَهْلَ البَيْتِ اعْتَادُوا ذَلِكَ.
- التَّرَدُّدُ عَلَى القَبْرِ مَمْنُوْعٌ نَصًّا وَمَفْهُوْمًا، فَالنَّصُّ هُوَ فِي قَوْلِهِ (لَا تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُمْ قُبُوْرًا)، وَالمَفْهُوْمُ هُوَ فِي قَوْلِهِ (فَإِنَّ تَسْلِيْمَكُمْ يَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ)، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا دَاعِيَ لِلذَّهَابِ إِلَى السَّلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. (٢)
- كِتَابُ (المُخْتَارَةُ): هُوَ كِتَابٌ جَمَعَ فِيْهِ مُؤَلِّفُهُ الأَحَادِيْثَ الجِيَادَ الزَّائِدَةَ عَلَى الصَّحِيْحَيْن.
وَمُؤَلِّفُهُ: هُوَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ؛ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيُّ؛ ضِيَاءُ الدِّيْنِ الحَنْبَلِيُّ، (ت ٦٤٣ هـ). (٣)

(١) وَإِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لَعَنَ زَوَّارَاتِ القُبُوْر، فَكَيْفَ بِمَنْ أقَامَ عِنْدَهَا.
(٢) قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي تَحْقِيْقِ كِتَابِ (الآيَاتُ البَيِّنَاتُ) (ص٨٠): «وَأَمَّا حَدِيْثُ (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا أُبْلِغْتُهُ) فَهُوَ مَوْضُوْعٌ - كَمَا قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة ﵀ فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى - وَقَدْ خَرَّجْتُهُ فِي الضَّعِيْفَةِ (٢٠٣)، وَلَمْ أَجِدْ دَلِيْلًا عَلَى سَمَاعِهِ ﷺ سَلَامَ مَنْ سَلَّمَ عِنْدَ قَبْرِهِ - وَحَدِيْثُ أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ صَرِيْحًا فِي ذَلِكَ - فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَوْلَهُ (أَنَّهُ ﷺ يَسْمَعُ السَّلَامَ مِنَ القَرِيْبِ)!، وَحَدِيْثُ ابْنِ مَسْعُوْدٍ المُتَقَدِّمُ مُطْلَقٌ. وَاللهُ أَعْلَمُ).
قُلْتُ: وَالحَدِيْثُ هَذَا إِنَّمَا يَرْوِيْه مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانِ السُّدِّيُّ عَنِ الأَعْمَشِ - وَهُوَ كَذَّابٌ بِالاتِّفَاقِ -، وَهَذَا الحَدِيْثُ مَوْضُوْعٌ عَلَى الأَعْمَشِ بِإِجْمَاعِهِم. وَانْظُرِ التَّعْلِيْقَ عَلَى حَدِيْثِ الضَّعِيْفَةِ (٢٠٤).
وَأَمَّا حَدِيْثُ ابْنِ مَسْعُوْدٍ الَّذِيْ أشارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ ﵀ فَهُوَ (إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِيْنَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُوْنِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ). صَحِيْحٌ. النَّسَائِيُّ (١٢٨١). صَحِيْحُ النَّسَائِيِّ (١٢٨١).
(٣) قَالَ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي اخْتِصَارِ عُلُوْمِ الحَدِيْثِ (ص٢٩): (فَصْلٌ - الزِّيَادَاتُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ -: وَقَدْ جَمَعَ الشَّيْخُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ؛ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ (المُخْتَارَةُ) وَلَمْ يَتِمَّ، كَانَ بَعْضُ الحُفَّاظِ مِنْ مَشَايِخِنَا يُرَجِّحُهُ عَلَى مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ. وَاللهُ أَعْلَمُ).
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ﵀ فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (٤٢٦/ ٢٢): (تَصْحِيْحُ الحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيِّ فِي مُخْتَارِهِ خَيْرٌ مِنْ تَصْحِيْحِ الحَاكِمِ).

1 / 181