(١) نَقَلَهُ مُلَخَّصًا صَاحِبُ فَتْحِ المَجِيْدِ (ص٤٧) ﵀ مِنْ مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى. (٢) وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٥٢٤/ ١) - عِنْدَ شَرْحِ الحَدِيْثِ الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ -: (فَإِنَّ تَحَقُّقَ القَلْبِ بِمَعْنَى - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - وَصِدْقَهُ فِيْهَا، وَإِخْلَاصَهُ بِهَا يَقْتَضِي أَنْ يَرْسَخَ فِيْهِ تَأَلُّهَ اللهِ وَحْدَهُ إِجْلَالًا؛ وَهَيْبَةً؛ وَمَخَافَةً؛ وَمَحَبَّةً؛ وَرَجَاءً؛ وَتَعْظِيْمًا؛ وَتَوَكُّلًا؛ وَيَمْتَلِئَ بِذَلِكَ، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ تَأْلُّهُ مَا سِوَاهُ مِنَ المَخْلُوْقِيْنَ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ؛ لَمْ يَبْقَ فِيْهِ مَحَبَّةٌ وَلَا إِرَادَةٌ وَلَا طَلَبٌ لِغَيْرِ مَا يُرِيْدُ اللهُ وَيُحِبُّهُ وَيَطْلُبُهُ، وَيَنْتَفِي بِذَلِكَ مِنَ القَلْبِ جَمِيْعُ أَهْوَاءِ النُّفُوْسِ وَإِرَادَاتِهَا، وَوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا وَأَطَاعَهُ، وَأَحَبَّ عَلَيْهِ وَأَبْغَضَ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ إِلَهُهُ، فَمَنْ كَانَ لَا يُحِبُّ وَلَا يُبْغِضُ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يُوَالِي وَلَا يُعَادِي إِلَّا لَهُ؛ فَاللَّهُ إِلَهُهُ حَقًّا، وَمَنْ أَحَبَّ لِهَوَاهُ، وَأَبْغَضَ لَهُ، وَوَالَى عَلَيْهِ، وَعَادَى عَلَيْهِ، فَإِلَهُهُ هَوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ (الجَاثِيَة:٢٣) قَالَ الحَسَنُ: هُوَ الَّذِيْ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الَّذِيْ كُلَّمَا هَوَى شَيْئًا رَكِبَهُ، وَكُلَّمَا اشْتَهَى شَيْئًا أَتَاهُ، لَا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ وَلَا تَقْوَىً. وَيُرْوَى مِنْ حَدِيْثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوْعًا (مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ)، وَكَذَلِكَ مَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ؛ فَقَدْ عَبَدَهُ، كَمَا قَالَ ﷿: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ﴾ (يَس:٦٠). فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَحْقِيْقُ مَعْنَى قَوْلِ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ إِصْرَارٌ عَلَى مَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ، وَلَا عَلَى إِرَادَةِ مَا لَا يُرِيْدُهُ اللهُ، وَمَتَى كَانَ فِي القَلْبِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي التَّوْحِيْدِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الشِّرْكِ الخَفِيِّ، وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ (الأَنْعَامِ:١٥١) قَالَ: لَا تُحِبُّوا غَيْرِي. وَفِي صَحِيْحِ الحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ: (الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيْبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، وَأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الجَوْرِ، وَتُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ العَدْلِ، وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الحُبُّ وَالبُغْضُ؟ قَالَ اللهُ ﷿ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ (آلِ عِمْرَانَ:٣١) وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ مَحَبَّةَ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ وَبُغْضَ مَا يُحِبُّهُ؛ مُتَابَعَةٌ لِلْهَوَى، وَالمُوَالَاةُ عَلَى ذَلِكَ وَالمُعَادَاةُ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ الخَفِيِّ. وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا (لَا تَزَالُ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - تَمْنَعُ العِبَادَ مِنْ سُخْطِ اللهِ؛ مَا لَمْ يُؤْثِرُوا دُنْيَاهُمْ عَلَى صَفْقَةِ دِيْنِهِمْ، فَإِذَا آثَرُوا صَفْقَةَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِيْنِهِمْ؛ ثُمَّ قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ اللهُ: كَذَبْتُمْ). فَتَبَيَّنَ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ؛ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ)، وَأَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ، فَلِقِلَّةِ صِدْقِهِ فِي قَوْلِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ إِذَا صَدَقَتْ طَهَّرَتْ مِنَ القَلْبِ كُلَّ مَا سِوَى اللهِ، فَمَنْ صَدَقَ فِي قَوْلِهِ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - لَمْ يُحِبَّ سِوَاهُ، وَلَمْ يَرْجُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَمْ يَخْشَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ، وَلَمْ يَتَوَكَّلْ إِلَّا عَلَى اللهِ، وَلَمْ تَبْقَ لَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ إِيثَارِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَمَتَى بَقِيَ فِي القَلْبِ أَثَرٌ لِسِوَى اللهِ، فَمِنْ قِلَّةِ الصِّدْقِ فِي قَوْلِهَا). قُلْتُ: وحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ السَّابِقِ مَوْضُوْعٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَاِنُّي فِي الكَبِيْرِ (١٠٣/ ٨). ضَعِيْفُ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ (٣٩). وَحَدِيْثُ (الشِّرْكُ أَخْفَى ...) صَحِيْحٌ مِنْهُ الشَّطْرُ الأَوَّلُ فَقَط. الحَاكِمُ (٣١٤٨) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعًا. انْظُرْ التَّعْلِيْقَ عَلَى حَدِيْثِ الضَّعِيْفَةِ (٣٧٥٥). وَأَمَّا حَدِيْثُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا السَّابِقِ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ جِدًّا. مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى (٤٠٣٤) بِتَحْقِيْقُ الشَّيْخِ حُسَيْنِ أَسَد حَفِظَهُ اللهُ.
1 / 16