أصول بلا أصول
الناشر
دار ابن الجوزي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
مكان النشر
القاهرة - جمهورية مصر العربية
تصانيف
الوَجْهُ الرابع: الدليل العقلي على استحالة وقوع ذلك:
قال القرطبي ﵀: "اختُلِف في معنى الحديث، فقال قوم: هو على ظاهره، فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء، وهذا قولٌ يُدرَك فسادُه بأوائل العقول، ويلزم عليه: أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها.
- وأن لا يراه رائيان في آنٍ واحدٍ في مكانين.
- وأن يحيا الآن، ويخرج من قبره، ويمشي في الأسواق، ويخاطب الناس، ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده، فلا يبقى في قبره منه شيء، فَيُزَارُ مجردُ القبر، ويُسلَّمُ على غائب؛ لأنه جائز أن يُرَى في الليل والنهار، مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره، وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مُسْكَةٍ من عقل" (١).
واعتُرِض على هذا بأن النبي ﷺ يمكن أن يراه شخصان في مكانين مختلفين في وقت واحد، كما تُرى الشمس أو القمر في أماكنَ متعددةٍ في آنٍ واحدٍ من جماعة كثيرين، وأنشد بعضهم:
كالشمس في كبد السماء وضوءها ... يغشى البلادَ مشارِقًا ومغاربا (٢)
وأجيب عن هذا الاعتراض بأن النبي ﷺ بَشَرٌ كان يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ولم يكن له حجم الشمس وارتفاعها، حتى يمكن أن يراه جمع كثير في وقت واحد، ثم إن النبي ﷺ إذا كان في بيته لا يراه إلا من كان معه في البيت، دون من كان خارجه، وكذلك الشمس؛ فإنها لو رُؤِيَتْ فرضًا داخل بيتٍ في جرْمِها، لاستحال رؤية جرمها في بيت آخر (٣).
(١) "شرح الزرقاني على المواهب اللدنية" (٥/ ٢٩٣).
(٢) "غاية الأماني" (١/ ٥٢).
(٣) "شرح الزرقاني" (٥/ ٢٩٥).
1 / 139