إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد
الناشر
مؤسسة الرسالة
رقم الإصدار
الطبعة الثالثة
سنة النشر
١٤٢٣هـ ٢٠٠٢م
تصانيف
فإنا كانت الأسباب محرّمة فكيف بنفس الفواحش؟، تكون أشدَّ تحريمًا ﴿مَا ظَهَرَ﴾ يعني: ما رآه الناس في الأسواق وفي الدكاكين وفي المجمّعات. ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ المعاصي الخفية في البيوت، وفي المحلاَّت المستورة؛ فالمؤمن يتقي الله ﷿ ظاهرًا وباطنًا، يتقي الله في الشارع ويتقي الله في البيت، يتقي أينما كان، يتقي الله في النهار ويتقيه في الليل، يتقيه في الضياء ويتقيه في الظلمة، لأنه دائمًا معه- سبحانه-، لا يخفى عليه.
فليس المقصود أن الإنسان يتجنب المعاصي الظاهرة فقط، وأما إذا خلا فإنه مسموحٌ له، لا، الحرام حرام على أي حال، والرب هو الرب- سبحانه- مطّلع في سائر الأحوال ظاهرًا وباطنًا لا يخفى عليه شيء ﷾، مهما حاولتم التستُّر فإنكم لا تخفون على الله ﷾: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾، بل إنه قال: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣)﴾، إذا كان كذلك فيجب عليك أن تتقي الله ﷾ على كل حال، يقول النبي ﷺ: "اتق الله حيثما كنت"، يقول- تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ يعني: في حال غيبتهم عن الناس، ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ .
ثم قال- تعالى-: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ النفس التي حرم الله هي: النفس المؤمنة، وكذلك النفس المعاهَدة، ولو كانت كافرة؛ فالله حرّم قتل المؤمنين، وكذلك حرّم قتل المعاهدين من الكفّار الذين لهم عهدٌ عند المسلمين بالذمة أو بالأمان: فالذمة وهم الذين يدفعون الجزية، أو بالأمان وهم الذين دخلوا بلادنا بالأمان، لا يجوز قتلهم والتعدِّي عليهم، لأنهم في ذمّة المسلمين، وفي أمان المسلمين، لا يجوز خيانة ذمة المسلمين، ولهذا جاء في الحديث: "من قتل معاهَدًا لَمْ يَرَحْ رائحة الجنة".
﴿إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ أي: إلاَّ بإحدى هذه الثلاث: قصاص أو زنا أر ردة؛ هذا قتل بالحق شرعه الله ﷾، ما عدا ذلك فلا يجوز قتل المسلم، قال- تعالى-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣)﴾ وقتل النفس من أعظم الكبائر بعد الشرك بالله ﷾.
1 / 35