158

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

الناشر

مؤسسة الرسالة

رقم الإصدار

الطبعة الثالثة

سنة النشر

١٤٢٣هـ ٢٠٠٢م

تصانيف

ففي هذا: بُطلان التبرّك بالأشجار والأحجار، وأنه شرك، لأن موسى ﵇ قال: ﴿أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا﴾، فدلّ على أن من تبرّك بشجر أو حجر فقد اتخذه إلهًا، وهذا هو الشرك، واختلاف اللفظ لا يؤثر مع اتفاق المعنى، هؤلاء قالوا: "اجعل لنا ذات أَنْوَاط كما لهم ذات أَنْوَاط"، وبنوا إسرائيل قالوا: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾، والرسول ﷺ جعل هذا مثل هذا، وإن اختلف اللفظ. والآن عَبَدَة القبور يقولون: هذا ليس بشرك، هذا توسُّل، وهذا محبة للأولياء والصالحين. إن أولياء الله الصالحين لا يرضون بهذا العمل، ولا يرضون أن تُجعل قبورهم أوثانًا تُعبد من دون الله، والنبي ﷺ يقول: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، فدلّ على أن تعظيم القبور والتبرك بها يجعلها أوثانًا تُعبد من دون الله. فالحاصل؛ أن هذا فيه دليل على أن العبرة في المعاني لا في الألفاظ، فاختلاف الألفاظ لا يؤثر، وإن سموه توسّلًا، أو سموه إظهارًا لشرت الصالحين، أو وفاءً بحقهم علينا- كما يقولون-، هذا هو الشرك، سواء بسواء، فالذي يتبرّك بالحجر أو بالشجر أو بالقبر قد اتخذه إلهًا، وإن كان يزعم أنه ليس بإله، فالأسماء لا تغير الحقائق، إذا سمّيت الشرك، توسلًا، أو محبة للصالحين، أو وفاءً بحقهم، نقول: الأسماء لا تغير الحقائق. وفيه- أيضًا- مسألة مهمة: وهي أن حُسن المقاصد لا يغير من الحكم الشرعي شيئًا، هؤلاء لهم مقصد حسن، ولكن النبي ﷺ لم يعتبر مقاصدهم، بل أنكر هذا، لأن الوسائل التي تُفضي إلى المحاذير ممنوعة، صحابي مع رسول الله ﷺ يحمل السيف للجهاد، ما قصد إلاَّ الخير هو ومن معه، ومع هذا غضب النبي ﷺ عند مقالتهم، وجعلها مثل مقالة بني إسرائيل، فدلّ على أن المقاصد الحسنة لا تبرِّر الغايات السيّئة والمنكرة. وفيه- أيضًا-: القاعدة العظيمة، وهي: خطورة التَّشَبُّه بالكفار والمشركين، لأنها تؤدِّي إلى الشرك، ولهذا قال ﷺ: "لتركبن سُنَن من قبلكم " وهذا فيه- أيضًا- عَلَم من أعلام النبوة، فإن النبي ﷺ أخبر أنه في المستقبَل سيكون في المسلمين من

1 / 162