فضحك السلطان وقال: إي حضرات الباشاوات، أما فرغتم بعد من إلقاء مواعظكم وإعطاء نصائحكم، والله لم يبق لي إلا أن أتلقى أوامركم وأسلمكم زمامي ...
فقال الصدر: نحن نتكلم من أجل صالح الدولة وباسم الأمة.
فصاح السلطان غاضبا: أنا الدولة وأنا الأمة، والحق لي وحدي في معرفة ما يوافقها، فأنتم؛ أنتم الذين زرعتم الخصام بيني وبين رعيتي توصلا إلى مراكزكم، وأنا في غنى عن البحث لمعرفة أسباب الهياج، فقد كشفت أطماعكم لي عنها النقاب تتخذون الشعب حجة فتقولون كل مرة الشعب يريد كيت وكيت ويطلب كذا وكذا، فأي متى كان سلطان آل عثمان يتلقى أوامره من عبيده؟
فأجابه الوزراء: ولكن قد مضت تلك السنون وأهلها، والآن المركز حرج.
فقال السلطان: نعم، المركز حرج لأني لم أفتح عيني جيدا، ولكن هذه اللائحة هي مفتاح الدسائس والمؤامرات، فأصدقاؤكم يرغبون في تجريدي من أصحابي ... لا، انزعوا هذه الأوهام من رءوسكم، وإني أعلمكم في الختام بأني سأعيد محمود باشا إلى الصدارة، فإنه على الأقل لا يخشى من انتقام الشعب وحنقه.
فوقف الوزراء وكادوا يتميزون. فوقف السلطان حينئذ هائجا مزبدا وصاح بهم: اخرجوا أيها الخونة، فإن تجاسرتم على المثول أمامي لأحزن رءوسكم حزا. فخرج الوزراء القهقرى وقلوبهم تتقد حنقا وغضبا.
الفصل الرابع عشر
مراد أفندي «ولي العهد»
وخرج الوزراء إلى الصدارة للاجتماع بزملائهم الذين كانوا بانتظارهم لمعرفة نتيجة مفاوضتهم مع السلطان، فلما علموا بما جرى، وبالإهانة التي لحقت بالصدر والوزراء أكبروا الأمر، وتذمروا من تجاوز السلطان الحد، وكانوا جميعهم قد فكروا منذ مدة بأن لا أمل بالإصلاح إلا بخلع السلطان، ولكن لم يكن الخلع عادة متبعة في تركيا، فلم يبق لديهم إلا القتل وهي الواسطة الوحيدة لتولي مراد أفندي عرض السلطنة على أنه لم يكن يتجاسر أحد من الوزراء على الاقتراع على قتل السلطان. فتفاوضوا مدة أربع ساعات، وقلبوا المسألة على وجوهها المختلفة، فقرروا بعد البحث والجدال باستفتاء شيخ الإسلام خير الله أفندي؛ إذ لا يخفى أنه لا يمكن خلع السلطان بغير تلك الفتوى الشرعية، فأنفذوا إليه مع ياورهم على ثقة من إخلاصه سؤالين مختومين من جميع الوزراء هما: (1)
ما قولكم دام فضلكم: إذا عجز سلطان عن القيام بشئون مملكته بسبب خلل في شعوره، أيجوز خلعه أم لا ...؟ أفيدوا ولكم الأجر والثواب. (2)
صفحة غير معروفة