فالتفت أحمد بك إلى صبي يبلغ التاسعة كان أمام الباب يلعب، فرأى على صدره شبه حقيبة صغيرة من جلد وقد خيطت من جهاتها الأربع، وهي معلقة بخيط في عنق الصبي، فقال له: أتسمح لي بها؟ - بين يديك يا سيدي.
ونهض ففكها من عنق الصبي وقدمها لأحمد بك وهو يتمنى أن يكتفي أحمد بك بها عن التسآل، لئلا يتحقق أخيرا أن الداية عائشة زودت الصبي بالنقود والملابس اللازمة قبل أن دفعته للشيخ حسن، ولكن هذا تمتع بنقوده وألبس أولاده تلك الملابس الفاخرة.
وما لبث أن خرج أحمد بك من عند الشيخ حسن وانفرد في مكان وفتق تلك الحقيبة الجلدية واستخرج منها الورقة التي فيها وقرأ ما يأتي:
أقسم بأيماني إني أقول الحق، أوعز إلي من له السلطة والقوة والأمر أن أخنق الطفل الذي تلده الأميرة نعمت هانم وأدعي أنه ولد ميتا أو مات بعد الولادة، وبسبب الحداد على الأمير صادق زوج الأميرة لم يكن على يدي حين التوليد رقيب أخاف وشايته على هذه الفعلة الشنعاء، فلما ولدت الأميرة طفلة أخفيتها وادعيت أنها ولدت ميتة، ثم حرصت على الطفلة في مكان أمين، ووسمت ظهرها بنجمة صغيرة علامة لها، ودفعتها للراهبات مربيات اللقطاء، آملة أن أستردها حين يتسنى لي ذلك.
ثم بعد حين قريب أوعز إلي أن أخفي الطفل الذي تلده جوزفين محظية الأمير نعيم؛ لكي لا يكون له ذرية من امرأة أجنبية، فلما ولدت صبيا أخفيته وادعيت أنه ولد ميتا، وبعد إذ هممت أن أدفعه للراهبات كما فعلت بابنة الأميرة أخته، خطر لي أن أستبقيه عندي لئلا يشب عندهن على غير دين أبيه، وندمت على تسليم البنت لهن، ولكن كان ما كان ولم أعد أستطيع استردادها، فأبقيت الصبي لكي أربيه تحت رعايتي، ولما شعرت بدنو أجلي بسبب مرض السل الذي اعتراني، وسمت ظهر الصبي بهلال صغير علامة له ودفعته لأحد الناس لكي يربيه، وعلقت في عنقه كيس جلد صغير بشكل تعويذة، وقد ضمنته هذه الشهادة الصادقة حتى إذا شاء الله رد الصبي لأبيه والابنة لأمها، ألهم الصبي أن يفتح الكيس ويقرأ هذه الكتابة.
إني أستغفر الله على ما صنعت مكرهة، ولكني قصدت الخير في ما فعلت.
الحكيمة الداية عائشة
الفصل الثالث والعشرون
ماري المباركة
بعد أن خرج يوسف العفيف من قصر الأمير نعيم لكي يمضي إلى الدير الذي تربى فيه ويتحقق حادثة إرساله إليه، ذهب الأمير إلى منزل الخواجه م. ج. فاستقبله هذا بكل حفاوة وبشاشة. - أتيت إليك يا مسيو ج. لأمر مهم جدا. - خير إن شاء الله. - كان فتى يدعى يوسف العفيف يشتغل في مخزنك. - نعم. - وكان يحب معلمة أولادك ماري المباركة. - نعم، ولأجل ذلك طردته. - لا حق لك أن تطرده لأجل أنه أحب الفتاة لكي يتزوجها. - ولكن الفتاة لا تحبه. - أرجو منك إذن أن تستدعي الفتاة إلي، فإن صرحت لي بعدم حبها له عدت كما أتيت ... - ولكن! - لا لكن ولا غيرها، لا يحق لك أن تحجب الفتاة عن مقابلة أحد لأمر يهمها؛ لأن ذلك يخالف الشريعة. - وإذا فعلت؟ - أستصدر أمرا رسميا بذلك.
صفحة غير معروفة