وبعدما انتهيا من الحديث الطويل عن جوزفين، وكله بالمعنى السابق، أخذ الأمير نعيم يتعرف المدموازيل ماري جوتيه، فأخبرته أنها كانت ممثلة في بعض الملاهي الشهيرة، ولما أوشكت تنال شهرة نصح لها الطبيب أن تعدل عن هذه المهنة حرصا على سلامتها؛ لأن التمثيل يؤذي مجموعها العصبي جدا.
وقد أجادت ماري في محادثة الأمير ومجاملته حتى جذبته إليها قليلا، وصارا صديقين والتمس منها أن يلتقي بها حينا بعد آخر فوعدته.
الفصل التاسع عشر
إضرام الغيرة أشد انتقام
ولما عادت ماري إلى جوزفين وجدتها كأنها على جمر الغضا تنتظر بشارة، فابتسمت، فقالت لها جوزفين: أرى على وجهك بشرا، ألعله بشارة؟ - بشارة إن شاء الله، لقد صدق ظنك يا عزيزتي جوزفين، فإني أخبرته مجمل قصتك فصدقها في الحال ورثى لك جدا وتمنى كل خير لك، ولكنه قال إنه لا يستطيع أن يقبل أقل صلة بك بعد الآن؛ لأن أقاربه عيروه جدا بعلاقته معك، وأنكروا عليه استردادك ولو ثبتت براءتك. - أما استأذنته أن أقابله مرة واحدة فقط؟ - ألححت عليه جدا بذلك، فقال إنه ليس في وسعه. - إذن اقتنع أني بريئة؟ - بالطبع، والحق أقول لك إنه جميل الخلق والخلق، بل هو أكثر مما وصفت، فلا أستغرب ترفعه عليك بعد الآن؛ لأنه بالحقيقة أمير، بل أمير الأمراء.
فابتسمت جوزفين وقالت: لقد ارتاح بالي بعض الراحة والحمد لله، على أني لا أقنط من الاجتماع به ولو مرة واحدة، وبعدها أدخل إلى الدير وأمارس وظيفة ممرضة كما صممت أن أفعل إذا أصر الأمير على تكذيب عذري.
وقد صدقت جوزفين كلام ماري جوتيه بحروفه؛ لأنها كانت تثق بإخلاصها وتنظر إليها نظرها إلى فتاة نبيلة، أما ماري فخافت أن تذهب جوزفين إلى الأمير ويؤذن بمقابلتها، وثم يتفاهمان ويبان كذبها هي؛ ولذلك جعلت تفكر في كيف تتلافى ذلك، وتستميل الأمير إليها وتحجبه عن جوزفين، فما كان منها إلا أنها أسرعت إليه وجعلت تتودد إليه وتتحبب له بغية أن يتخذها محظيته في باريس.
وقبل أن تغتنم جوزفين الفرصة المناسبة لالتماس مقابلة الأمير، تركت ماري فندق إيطاليا ونزلت في الفندق الذي ينزل فيه الأمير، بغية أن تكون قريبة منه ومستسهلة الوصول إليه.
وقد شعر الأمير بميل إليها واستحسن جمالها واستعذب لسانها؛ لأنها كانت داهية، وقد عرفت من أين تؤكل الكتف.
وفي تلك الأثناء ذهبت جوزفين في الصباح إلى فندق رويال آملة أن تستعطف الأمير وتتوسل إليه أن يقابلها، فكتبت إليه بطاقة وجعلت تنتظر في قاعة الفندق السفلى. وهذا نص بطاقتها:
صفحة غير معروفة