أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
الناشر
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
مكان النشر
https
تصانيف
أنه جاز على قوم فرأوه؛ لأنَّ جوانب الأنهار وإن خلت لا يؤمن وجود قوم قريب منها، فبقي الأمر أنه لا يراه أحد، فاتفق من رآه) انتهى.
قلت: وهو فاسد، فإن الحديث لا يدل على أنه كان يغتسل في خلوة؛ لأنَّ لفظ الحديث: (وكان موسى يغتسل وحده) لا يدل على أنه كان يغتسل في خلوة، بل شامل لغسله عند عين أو نهر وغير ذلك، غاية الأمر: أنه وحده ليس عنده أحد، ويؤيد ذلك ما في رواية مسلم: (أنه كان يغتسل عند مشربة)؛ وهي الحفرة في أصل النخلة يجمع فيها الماء ليسقيها، فموسى لما اغتسل عند الماء ولم يكن عنده أحد فرأى (^١) ثوبه فرَّ به الحجر؛ تبعه لما قدمنا قريبًا، فمر على القوم من بني إسرائيل فرأوه؛ لأنَّ جوانب الأنهار والعيون لا تخلو من وجود أحد من السياحين، وأصحاب التنزه ولو من أصحاب النخل، فلا بد وأن يراه أحد من هؤلاء.
وقوله: (فبقي الأمر...) إلخ ممنوع، بل بقي الأمر على أنه قد رآه أحد قصدًا؛ لعدم خلوِّ أحد، كما لا يخفى؛ فليحفظ.
(فَطفِق)؛ بكسر الفاء، وفي رواية: بفتحها، قيل في بعض النسخ: (وطفق)؛ بالواو؛ أي: شرع يضرب (الحجر) فـ (الحجر) منصوب بفعل مقدر، وهو (يضرب)، وقوله: (ضربًا) مفعول مطلق له، وفي رواية الأكثرين: (فطفق)؛ بالجر بزيادة موحدة في أوله؛ ومعناه: جعل ملتزمًا بذلك يضربه ضربًا، كذا قاله صاحب «عمدة القاري»، وزعم العجلوني نقلًا عن «المصابيح» (أنه يقدر على هذه الرواية مس بالحجر لا بضرب؛ لئلا يلزم زيادة الباء في غير محلها) انتهى.
قلت: وهو غير ظاهر؛ لأنَّ الباء للمصاحبة، فيلزم على قوله أنه لم يوجد ضرب للحجر، بل مسٌّ وهو خلاف المراد؛ فالمعنى الأول هو المراد؛ يعني: جعل نفسه ملتزمًا بذلك بضرب الحجر ضربًا؛ فافهم.
و(طفق) من أفعال المقاربة وهي ثلاثة أنواع:
الأول: ما وضع للدلالة على قرب الخبر، وهي ثلاثة: كاد، وقرب، وأوشك.
الثاني: ما وضع للدلالة على رجائه، وهي ثلاثة: عسى، واخلولق، وحرى.
والثالث: ما وضع للدلالة على الشروع فيه، وهي كثيرة، ومنه: طفق.
وهذه كلها ملازمة لصيغة الماضي، إلا أربعة فاستعمل لها مضارع: وهو كاد، وأوشك، وطفق، وجعل، واستعمل مصدرًا لاثنين، وهما طفق وكاد، وحكى الأخفش: طفوقًا عمن قال: طفَق؛ بالفتح، وطفِقًا عمن قال: طفِق؛ بالكسر، وقد أوضحت المقام في شرحي على «شرح الأزهرية» للشيخ خالد الذي سميته بـ: «تاج الأُسطوانية شرح شرح الأزهرية»؛ فارجع إليه إن شئت، وقدمنا عن «عمدة القاري» أن موسى نادى (^٢) الحجر، فلما لم يعطه الثوب؛ ضربه، ويحتمل أن يكون موسى أراد أن يضربه إظهارًا للمعجزة بتأثير ضربه، ويحتمل أن يكون عن وحي؛ لإظهار الإعجاز، ومشي الحجر إلى بني إسرائيل بالثوب أيضًا معجزة أخرى لموسى ﵇، انتهى.
(قال) وفي رواية: (فقال) (أبو هريرة) ﵁ هذا إما من قول أبي هريرة؛ فيكون تعليقًا من البخاري، وإما من تتمة قول همام؛ فيكون مسندًا، كذا قاله الكرماني، وزعم ابن حجر أنه من قول همَّام، وليس بمعلق.
ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: احتمال الأمرين ظاهر، وقطع البعض بأحد الأمرين غير مقطوع به) انتهى.
وأجاب ابن حجر في «الانتقاض»: (بأن القطع المراد به الحكم بالترجيح، ومن راجع نسخة همام من طريق البخاري عرف الرجحان المذكور) انتهى.
قلت: وهو مردود عليه، فإن القطع المراد به الحكم على أمر لا يحتمل غيره، يقال: قطع القاضي الأمر على فلان؛ يعني: حكم عليه به، وهو لا يحتمل غيره بخلاف الترجيح، فإنه يحتمل غيره واحدًا وأكثر، وهذا القائل لم يفرق بين القطع والترجيح.
وقوله: (ومن راجع...) إلخ ممنوع، فإنه ليس فيها ما يفيد الترجيح المذكور، بل فيها احتمال الأمرين، فكيف قال ابن حجر ما قال؟
والذي يظهر لي أن هذا تعليق من المؤلف، ويحتمل أنه مسند، لكن الأول أقرب؛ لأنَّ الحديث قد تم، وهذا بيان عدد الضرب؛ فليحفظ، والله أعلم، وتمامه في «إيضاح المرام»؛ فليراجع.
(والله) قسم؛ (إنه)؛ أي: الشأن أو الحجر المذكور (لنَدَبَ)؛ بفتح النون، وفتح الدال المهملة، آخره موحدة، منون؛ أي: أثر، قال أبو المعالي: (الندب: أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، وجرح نديب؛ ذو ندب، وقد أندبته؛ أي: جعلت في جسمه ندبًا وأثرًا، والجمع أنداب وندوب)، وفي «المحكم»: (والجمع ندب، وقيل: الندب واحد، وندب ظهر ندبًا وندوبة وندوبًا، فهو ندب صارت فيه ندوب وأندب بظهره وفي ظهره عادت فيه ندوبًا)، وفي (الاشتقاق) عن الأصمعي: (هو الجرح إذا بقي منه أثر مشرف، يقال: ضربه حتى أندبه)، كذا في «عمدة القاري».
وقوله: (بالحجر) صفة (لندب)، أو متعلق به، وهو الأظهر؛ فافهم، وقال في «المصابيح»: (إن حمل على ظاهره؛ ففيه آية لموسى، وإلا؛ فيكون استعارة) انتهى.
قلت: والمراد هنا الحمل على ظاهره؛ لأنَّ المقصود إظهار آية موسى ﵇، وإظهار معجزاته، وكونه استعارة بعيد جدًّا، وذلك لأنَّ الحجر قد أثر فيه الضرب حقيقة، فكيف يحمل على المجاز؟ وما هو إلا دعوى بلا دليل؛ لأنَّ مع وجود الحقيقة لا يجوز المصير إلى المجاز، كما لا يخفى.
(ستةٌ)؛ بالرفع على البدلية من (ندب)؛ أي: ستة آثار، ويحتمل أنه خبر لـ (هي) مقدرة، أو منصوب على الحال من الضمير المستكن في قوله: (بالحجر)، فإنه ظرف مستقر (لندب)؛ أي: أنه لندب استقر بالحجر حال كونه ستة آثار، أو على التمييز، (أو سبعةٌ) بالشك من الراوي (ضربًا) منصوب على التمييز (بالحجر) متعلق بـ (ضربًا)، والظاهر أن موسى ﵇ ضرب الحجر المذكور إمَّا بعصاه المعلومة، وإمَّا بحجر أخذه في مروره من الأرض، أو من عند الماء لا بيده الشريفة؛ لأنَّ الأحجار وغيرها مما له ثقالة لا يضرب إلا بمثله، أو أثقل منه كما هو العادة، فكان الحجر ذا أثر؛ ثم رأيت العجلوني نقل عن الحافظ الطحاوي في روايته لهذا الحديث عن أبي هريرة: أن موسى خلا يومًا وحده فوضع ثوبه على حجر، ثم اغتسل، فلما فرغ من غسله؛ أقبل إلى ثوبه ليأخذه وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى بعصاه وطلب الحجر...)؛ الحديث، فهذا يعين الأول، ويحتمل الثاني؛ فتأمل، والله أعلم.
ويجوز جعل ضمير (إنه) للشأن، ويقدر لهو ندب؛ فليحفظ.
قال صاحب «عمدة القاري»: (ففي الحديث: إباحة التعرِّي في الخلوة للغسل وغيره؛ بحيث يأمن أعين الناس، وفيه: دليل على جواز النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية عليه من مداواة أو براءة من العيوب، أو إثباتها؛ كالبرص وغيره مما يتحاكم الناس فيها مما لا بد فيه من رؤية البصر بها، وفيه: جواز الحلف على الإخبار؛ كحلف أبي هريرة ﵁، وفيه: دلالة على معجزة موسى ﵇ وهو مشي الحجر بثوبه إلى ملأ من بني إسرائيل ونداؤه ﵇ للحجر، وتأثير ضربه فيه حقيقة، وفيه: دليل على أن الله تعالى كمَّل أنبياءه خلقًا وخلقًا ونزَّههم عن المعايب والنقائص، وفيه: ما غلب على موسى ﵇ من البشرية حتى ضرب الحجر) انتهى.
قيل: المراد بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩]: ما نسبوه إليه من الأدرة المذكورة.
وقال الحافظ الطحاوي فيما رواه عن أبي هريرة في هذه الآية: قال رسول الله ﷺ: «إن موسى كان رجلًا حيِّيًا سِتِّيرًا لا يكاد أن يرى من جلده شيء يستحيى منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل وقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة»، هكذا قال لنا (^٣) بعض (^٤) رواة هذا الحديث، وأهل اللغة يقولون: أدرة؛ لأنَّها آدر (^٥)؛ بمعنى: آدم، وإن الله ﷿ أراد أن يبرئه مما قالوا، ومما روي عن علي بن أبي طالب في هذه الآية قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون، فقال بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته كان ألين لنا منك وأشد حبًّا، فآذوه بذلك،
(^١) في الأصل: (فرا)، وليس بصحيح.
(^٢) في الأصل: (ناد)، وليس بصحيح.
(^٣) في الأصل: (قالنا)، وليس بصحيح.
(^٤) (بعض): تكرر في الأصل.
(^٥) في الأصل: (آدرة)، ولعل المثبت هو الصواب.
فأمر الله الملائكة فحملته وتكلمت بموته حتى عرفت بنو إسرائيل أنه قد مات، فدفنوه، فلم يعرف موضع قبره إلا الرخم، فإن الله جعله أبكم أصم، ولا تعارض في ذلك؛ لأنَّه يجوز أن يكونوا آذوه بكل ما ذكر، فبرأه الله تعالى منها، والله تعالى أعلم.
٢٧٩ - وبالسَّند المتقدم في هذا الحديث قال المؤلف: (وعن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه، فهو موصول، قال إمام الشارحين في «عمدة القاري»: هذا معطوف على الإسناد الأول، وقد صرح أبو مسعود وخلف في «أطرافهما» أن البخاري رواه هنا: عن إسحاق ابن نصر، وفي (أحاديث الأنبياء): عن عبد الله بن محمَّد الجعفي؛ كلاهما عن عبد الله، ورواه أبو نُعيم الأصبهاني: عن أبي أحمد بن شيرويه: (حدثنا إسحاق: أنبأنا عبد الرزاق)؛ فذكره، وأورد الإسماعيلي حديث عبد الرزاق، عن معمر، ثم لما فرغ منه؛ قال: وعن أبي هريرة قال رسول الله ﷺ: «بينا أيُّوب يغتسل...»؛ الحديث.
وقال ابن حجر: (وجزم الكرماني بأنه تعليق بصيغة التمريض، فأخطأ، فإن الخبرين ثابتان في نسخة همام بالإسناد)، ورده صاحب «عمدة القاري».
قلت: (الكرماني لم يجزم بذلك، وإنما قال: تعليق بصيغة التمريض؛ بناء على الظاهر أنه لم يطلع على ما ذكرنا) انتهى.
وزعم ابن حجر في «الانتقاض» فقال: (انظر وتعجب) انتهى.
قلت: لا نظر ولا تعجب في كلام إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»؛ لأنَّه قال الحق ورد الباطل، وإنما النظر والتعجب في كلام ابن حجر، فإنه قد استعجل القول بالخطأ ولم يلتفت إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ..﴾؛ الآية [الشعراء: ١٨٣] فإن كلام الكرماني مبني على الظاهر؛ حيث لم يطلع على ما ذكره صاحب «عمدة القاري»، ولو اطلع عليه؛ لم يقل: إنَّه تعليق قطعًا، ألا ترى أن ابن حجر لو لم يطلع على ما ذكره إمام الشارحين؛ لقال: إنه تعليق بلا ريب، فالأدب ممدوح لا مذموم، والإنسان غير معصوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(عن النبيِّ) الأعظم ﷺ أنه زاد في رواية: (قال): (بينا)؛ بالألف بدون الميم، قال صاحب «عمدة القاري»: (أصله «بين» بدون ألف، زيدت الألف فيه؛ لإشباع الفتحة، والعامل فيه قوله: «فخرَّ» الآتي، وما قيل: إن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها؛ لأنَّ فيه معنى الجزائية؛ لأنَّ «بين» متضمن للشرط؛ فجوابه: لا نسلم عدم عمله سيما في الظرف؛ لأنَّ فيه توسعًا، والعامل «فخرَّ» مقدر، والمذكور مفسر له، وما قيل: إنَّ المشهور دخول «إذ» أو «إذا» في جوابه، فجوابه كما أن «إذا» تقوم مقام الفاء في جزاء الشرط؛ نحو قوله تعالى: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦]، كذلك تقوم الفاء مقام «إذا» في جواب «بين»، فبينهما معارضة) انتهى، (أيُّوب) اسم أعجمي، وهو ابن أموص بن رزاخ بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ﵈، وهذا هو المشهور، وقيل هو: ابن أموص بن رواح بن روم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم ﵈، وأمه بنت لوط ﵇، كذا في «عمدة القاري»، وهو النبيُّ المبتلى الصابر على بلائه؛ حيث أذهب الله أمواله وأولاده وكانوا سبعة بنين وسبع بنات، وابتلاه الله في ظاهر جسده بما يجوز على الأنبياء عليهم مدة سبع سنين، وقيل: ثماني عشرة، وقيل: ثلاث عشرة، والأصح الأول وهو مع ذلك شاكر لله تعالى أوَّاب إليه، فرد الله تعالى عليه جميع ما أذهبه، قيل: بأعيانهم، وقيل: بأمثالهم، وهو الأظهر؛ لأنَّ فضل الله أوسع من ذلك؛ لما روي أن امرأته ولدت بعد البلاء ستة وعشرين ابنًا، قال في «عمدة القاري»: (وكانت منازله الثنية في أرض الشام والجابية من كورة دمشق، وكان الجميع له، ومقامه في حوران بقرية تعرف بدير أيُّوب، وقبره بها مشهور، وهي قرية قرب نوى عليه مشهد، وهناك قدمٌ في حجر يقولون: إنها أثر قدمه، وهناك عين يتبرك بها لما قيل إنها المذكورة في القرآن العظيم، وكان أعبد أهل زمانه) انتهى، وأكثرهم مالًا وكان لا يشبع حتى يشبع الجائع، ولا يكتسى حتى يكسي العاري، وكانت شريعته التوحيد وإصلاح ذات البين، وإذا طلب من الله حاجة؛ خرَّ له تعالى ساجدًا ثم طلب، صلى الله عليه وعلى نبينا النبي الأعظم وسلم.
قال صاحب «عمدة القاري»: (وعاش ثلاثًا وتسعين سنة) انتهى.
وقيل: خمسًا وتسعين، وقيل: مئتين، وقال القسطلاني: (إنه عاش ثلاثًا وستين سنة) انتهى.
قال العجلوني: إن كان مستنده قول الكرماني وكان عمره ثلاثًا وستين، ومدة بلائه سبع سنين، فقد يقال: لا دليل فيه لاحتمال أنه إخبار عنه حين اغتسل عريانًا أو حين ابتدأ بلاؤه؛ فليتأمل.
قلت: وهذا غير ظاهر؛ لأنَّ قول القسطلاني وكذا الكرماني يدل على أنه ﵇ عاش بعد الاغتسال عريانًا، وبعد الابتلاء ثلاثًا وستين سنة، فكأنه ابتدأ البلاء فيه حين كان عمره ثلاثًا وعشرين، ومدة البلاء سبع سنين على الأصح فشفي فاغتسل، وبعد ذلك عاش ثلاثًا وستين، فكأن عمره ثلاثًا وتسعين سنة، وهو الأظهر، كما لا يخفى؛ فافهم.
وقوله: (يغتسل)؛ أي: من الجنابة، جملة في محل الرفع؛ لأنَّها خبر المبتدأ وهو قوله: (أيُّوب)، والمبتدأ وخبره جملة في محل جر بإضافة (بين) إليه، كذا في «عمدة القاري».
قلت: لأنَّ الصحيح أنها تضاف إلى الجمل وإن اتصلت بها الألف؛ لأنَّها إنَّما تكفها عن الإضافة إلى المفرد؛ فافهم.
(عُرْيانًا)؛ بضمِّ العين المهملة، وسكون الراء، منصوب على الحال، مصروف؛ لأنَّه (فُعلان) بالضم بخلاف (فَعلان) بالفتح، كما عرف في موضعه، قاله في «عمدة القاري»، وجملة (فخر عليه جرادٌ)؛ بالرفع فاعل (خر» (من ذهب) جواب (بينا)، و(خر) مضارعه يخر بالكسر والضم؛ أي: سقط عليه من أعلى إلى أسفل، وقيل: هو السقوط مطلقًا، كما في «القاموس»، والجَراد: بفتح الميم، جمع جرادة تقع على الذكر والأنثى، وليس الجراد بذَكَرٍ للجرادة، وإنما هو اسم جنس؛ كالبقر والبقرة، والتمر والتمرة، والحمام والحمامة، فحق مذكره ألا يكون مؤنثه من لفظه؛ لئلا يلتبس الواحد المذكر بالجمع، كذا في «الصحاح»، وقال ابن سيده: (الجراد معروف هو سروة، ثم دبًّا، ثم غوغاء، ثم خيفانًا، ثم كتفان، ثم جراد)، وقال أبو إسحاق: (أول ما يكون الجراد دبًّا، ثم غوغاء؛ إذا ماج بعضه في بعض، ثم يكون كنفانًا، ثم يصير خيفانًا، ثم يكون جرادًا)، وقيل: الجراد المذكر، والجرادة الأنثى، ومن كلامهم رأيت جرادًا على جرادة؛ كقولهم: رأيت نعامًا على نعامة، وقال ابن دريد: (سمي الجراد جرادًا؛ لأنَّه يجرد الأرض فيأكل ما عليها)، كذا في «عمدة القاري».
قال القسطلاني: (وهل كان جرادًا حقيقة ذا روح إلا أن اسمه ذهب، أو كان على شكل الجراد، وليس فيه روح)، قال في «شرح التقريب»: (والأظهر الثاني) انتهى.
قلت: بل هو المتعين؛ لأنَّ السقوط، والذهب، والحثيلا يكون لذي الروح، بل لما لا روح له؛ لأنَّه من الجمادات حينئذٍ؛ فافهم، ولأن ذا الروح لا يحثى للبركة، وإنما كان ينزل آية العذاب، فالقول الثاني هو المتعين؛ فليحفظ.
وعند المؤلف في (أحاديث الأنبياء): (رِجل من جراد)، وهي بكسر الراء؛ الجراد الكثير، (فجعل أيُّوب) ﵇ (يَحْتَثِي)؛ بفتح التحتية، وسكون الحاء المهملة، بعد فوقية مفتوحة، وكسر المثلثة؛ يعني: يأخذ بيديه ويرمي (في ثوبه) وفي بعض النسخ: (يحثي)؛ بدون الفوقية؛ يعني: أنه بسط ثوبه وصار يحثي بيديه ويرى فيه، قال في «عمدة القاري»: (يحتثي) من باب (الافتعال) من الحَثْي بفتح المهملة، وسكون المثلثة، قال ابن سيده: (الحثي: ما رفعت به يديك، يقال: حثى يحثي ويحثو، والياء أعلى)، وفي «الصحاح»: (حثا في وجهه التراب يحثو ويحثي حثوًَّا وحثيًّا وتحثاءً، وحثوت له؛ إذا أعطيته شيئًا يسيرًا، ويقال: الحثية باليدين جميعًا
1 / 150