الجامع الكبير
للإمام الحافظ المجتهد الرباني أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى
المتوفى سنة ١٨٩ هـ
طبع من النسخة الرومية باستانبول وقوبل بالنسخة التونكية بالهند وما وجد من نسخة دار الكتب المصرية [¬*]
عنى بمقابلة أصوله مكتبة
أبو الوفا الأفغاني رحمه الله تعالى
دار المعارف النعمانية
الجامعة المدنية، كريم بارك، لاهور
يطلب من
المكتبة المدنية ١٧ - اردوبازار، لامور
_________
[¬*] (تعليق الشاملة): قال أبو الوفا في مقدمة التحقيق: توفر لدينا ثلاث نسخ من الكتاب: الرومية - نسخة استانبول - وهي التي قدمت للطبع، والتونكية وهي الهندية، والمصرية. فما زيد على الرومية وضعناه بين مربعين هكذا [] ونبهنا على ما زيد من غير الهندية في ذيل الكتاب، وكذلك وضعنا فيه اختلاف النسخ كما ترى.
ووجدنا في النسخة الرومية، والتونكية زيادات كثيرة، مأخوذة من "الأمالي" للإمام أبي يوسف، "ونوادر هشام"، وابن سماعة وغيرهم لعل بعض رواة الكتاب أدرجها فيه نظائر لمسائل في الجامع أو مخالفة لها، فوضعناها في ذيل الكتاب لأنها لا تخلو من فائدة، وفصلناها منه تمييزًا لها عن الأصل.
المقدمة / 1
الطبعة الأولى في باكستان: ٥٠٠
سنة الطبع: ١٤٠١ هـ - ١٩٨١ م
الناشر: دار المعارف النعمانية
الجامعة المدنية - كريم بارك - لاهور
طبع في: المكة بريس - شارع فاطمة جناح - لاهور
المقدمة / 2
سيد نفيس الحسيني
تقديم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
إن البعث الإسلامي في شبه القارة الباكستانية الهندية بدأ بالحركة التي تزعمها وقادها الشيخ أحمد السرهندي (المتوفى ١٠٣٤ هـ) مجدد الألف الثاني ﵀ أنه هو الذي قاوم الزندقة والإلحاد الذي كان قد تفشى في المجتمع بسبب سيطرة الإمبراطور أكبر ووقف دونه كسد منيع - إنه أوقف سيل الزندقة عن طريق توجيهاته الرشيدة المسجلة في "مكتوبات".
ثم قام خلفائه من بعده بنشر تعاليمه الدينية وبث روح الإخلاص للدين الحنيف في أرجاء العالم كله.
ومن بعد الشيخ أحمد السرهندي ﵀ تولى قيادة الحركة الجبارة الرامية إلى البعث الإسلامي حكيم الأمة الشاه ولي الله الدهاوي (المتوفى ١١٧٦ هـ) عن جدارة واستحقاق - إنه استعرض الأوضاع الراهنة في عصره وتبصر بثاقب بصره المستقبل وكل ما يكنه للأمة الإسلامية ثم خطط له وحدد المسار الذي كان على أفراد الأمة السير عليها - إن الكتب القيمة التي ألفها الشاه ﵀ مصدر خير وعلم وحكمة كالسحاب المدرار.
ثم خلفه سراج الهند الشاه عبد العزيز (المتوفى ١٢٣٩ هـ) ﵀ وهو الذي استنار به السيد أحمد الشهيد (المتوفى ١٢٤٦ هـ) وتتلمذ عليه والسيد الشهيد بقي رافعا راية الإسلام وكلمة الحق عاليا طول حياته واتبعه آلاف
المقدمة / 3
مؤلفة من العلماء المسلمين ومئات الألوف من أفراد الأمة الإسلامية العلماء وبايعوه على اتباع الحق وتعاليم الدين الحنيف لخير الدنيا والآخرة.
إن السيد الشهيد ﵀ ألف مجموعة من عباد الله الصالحين المجاهدين في سبيله وكان ذلك على المنهج الذي هو من هدي النبي ﵊ ثم أتاح لهم فرصة التدريب في الحرب والضرب واستعمال الأسلحة - أنه بذلك احيى سنة نبينا ﷺ.
وكان السيد الشهيد ﵀ يرمي إلى إقامة دولة إسلامية بعد أن يقمع النفوذ البريطاني في شبه القارة الباكستانية الهندية ويستأصل شأفة حكم طائفة السيك من إقليم بنجاب وكان إن وقعت عدة معارك بين السيد الشهيد ﵀ ورجاله المخلصين المجاهدين في سبيل الله وبين قوات السيك - وكان النصر والفتح المبين حليف السيد ورجاله. ولكنه استشهد أخيرا في معركة وقعت في "بالا كوت" في ٢٦ ذي القعدة سنة ١٢٤٦ هـ وفي هذه المعركة أبلى السيد ورجاله بلاء حسنا وتفانوا في قتال جيش فاقهم عددا وعدة. وقد قال الشاعر بالفارسية:
بنا كردند خوش رسم بخون وخاك غلطيدن
خدا رحمت كند ايں عاشقان پاك طينت را (١)
ويعد الحاج الشيخ عبد الرحيم الولايتي الشهيد ﵀ (المتوفي ١٢٤٦ هـ) أحد كبار العلماء والمشائخ الذين تفتخر بهم مدرسة ديو بند الشهيرة وبايع الشيخ على يد السيد الشهيد ﵀ وأمر اتباعه كلهم أن يبايعوا السيد - وقد طلب الشيخ خليفته الكبير ميانجيو نور محمد جنجانوى (المتوفى ١٢٥٩ هـ) من أوهارى من أعمال مظفر نكر وأشرف على مبايعة
_________
١ - ترجمته: لقد سنوا سنة حسنة بتفانيهم وتمرغهم. في الدم والتراب - الله يرحم هولاء العشاق الأبرار الأطهار.
المقدمة / 4
خليفته على يد السيد الشهيد وكان إن أجاز السيد الشيخ نور محمد في جميع طرقه الصوفية وخلع عليه الخلافة.
ثم إن الشيخ نور محمد عمل على تربية شخصية فذة هو شيخ العرب والعجم الحاج إمداد الله المهاجر المكي (المتوفى ١٣١٧ هـ) الذي عمل على نشر المعارف الدينية في أرجاء العالم وقد كان المعلم والمرشد الأول للشيخ إمداد الله الشيخ السيد نصير الدين الدهاوى (المتوفى ١٢٥٦ هـ) وكان في عداد الذين رافقوا السيد الشهيد ﵀ وبايعوه واتبعوه والشيخ نصير الدين هو الذي احيى حركة الكفاح والجهاد المسلح ضد البريطانيين وحكم السيك بعد استشهاد السيد في ساحة الجهاد - فقد هاجر من وطنه واشتبك مع القوات التابعة للإنكليز والسيك في حروب دامية وتوفي الشيخ نصير الدين ﵀ في "ستانا" (إقليم الحدود).
وقد ترك السيد الشهيد روحا وثابة في نفوس الشيخ الحاج امداد الله ومشايخه وخلفائه للكفاح والجهاد المسلح ضد قوى الظلم والطغيان وكانت النتيجة إن وقعت الثورة العارمة ضد الحكم البريطاني في شبه القارة من أقصاها إلى أقصاها في سنة ١٨٥٧ الميلادية (٣ - ١٢٧٤ هـ) وهي التي سماها الكتاب الموالون للحكم البريطاني بـ "غدر ١٨٥٧".
ونزل إلى ساحة هذا الجهاد المسلح أكابر علماء ديوبند كقطب العالم الشيخ إمداد الله التانوي - وحجة الإسلام الشيخ محمد قاسم النانوتوى (المتوفى ١٢٩٧ هـ) وقطب الإرشاد الشيخ رشيد أحمد المحدث الكنكوهى (المتوفى ١٣٢٣ هـ) وآخرون من زملائهم المجاهدين الذين اتبعوهم وأبلوا بلاء حسنا ضد القوات البريطانية وأقاموا دولة إسلامية متوازية مركزها "تانابون" وأعلنوا بدء الجهاد المسلح واشتبكوا مع القوات البريطانية في عدة معارك دامية في "تانابون" و"شاملى" كان النصر فيها حليف المجاهدين المسلمين
المقدمة / 5
ولكن سرعان ما استعاد الحكم البريطاني سيطرته على شبه القارة الباكستانية الهندية وكان إن استشهد الحافظ الشيخ محمد ضامن خليفة الشيخ ميانجيو نور محمد الجنجانوى قدس سره، في ٢٤ محرم الحرام سنة ١٢٧٤ هـ في معركة وقعت في شاملى.
ثم إن الإنكليز عاثو في أرض الهند فسادا واستعملوا أشد أنواع العنف والتعذيب ضد كبار العلماء من ديوبند - أن دور هؤلاء العلماء في البعث الإسلامي دور مشرف حري بأن يكتب بأحرف من نور.
وقد أحس هؤلاء بعد عام ١٨٥٧ م وبعد فشل الثورة ضد الحكم البريطاني أنه ليس من السهل محاربة هذا الحكم في الحروب العلنية ولذلك قرروا فتح باب الحركات السرية - وأن تأسيس مدرسة ديوبند الكبرى حلقة من سلسلة هذه الأحداث - إن المدرسة والقائمين على أمرها بقوا حريصين على الإحتفاظ بالقيم الدينية عن طريق نشر التعليم الديني وإحياء السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام مع التركز على إنقاذ الوطن من الحكم الغاشم - وهذه هي المميزات التي يتفرد بها علماء ديوبند.
وقد برزت إلى الوجود شخصية فذة أخرى هو شيخ الهند الشيخ محمود حسن الديوبندى (المتوفى ١٣٣٩ هـ) وذلك نتيجة التربية التي قام بها قطب الإرشاد الشيخ الكنكوهى - وحجة الإسلام النانوتوى رحمهما الله تعالى - إن شيخ الهند الشيخ محمود حسن الديوبندي كان عن جدارة وريث العلوم والمعارف التي انتقلت إليه عن طريق مشائخه فقد أحيى سنة الجهاد مرة أخرى:
عمريست كهـ آوازه منصور كهن شد
من از سر نو جلوه دهم دار ورسن را (١)
_________
١ - ترجمته: لقد طال الأمد ولم يسمع كلمة الحق كما نادى بها منصور عاليا مدويا في وجه الطغيان - وها أناذا أحيى ثانية سنة إعلاء كلمة الحق وأواجه نفس التعسف والعدوان.
المقدمة / 6
وحركة الكفاح ضد الإستعمار التي أنشأها شيخ الهند الشيخ محمود حسن الديوبندي عرفت فيما بعد بواسطة الكتاب البريطانين بحركة منديل الحرير "تحريك ريشمى رومال" اشترك في هذه الحركة وغذاها بنشاطه الجم تلميذه إمام الثورة الشيخ عبيد الله السندي (المتوفى ١٣٦٣ هـ) وأتى بأعمال جليلة عديمة النظير - واشترك في هذه الحركة عمليا أتباع آخرون أيضا للشيخ الكنكوهي والشيخ النانوتوى - فقد قال الشيخ السندي في تفسيره "إلهام الرحمن" "لأن الأمر (الجهاد) لم يكن مقصورا على شيخنا (شيخ الهند) فقط بل كان معه جماعة من أتباع الشيخ محمد قاسم وطائفة من أتباع الشيخ رشيد أحمد - مثل الشيخ عبد الرحيم الرائبوري (المتوفى ١٣٣٧ هـ) ".
إن شيخ الهند الشيخ محمود حسن الديوبندي غادر الهند إلى الحجاز والبلاد الإسلامية الأخرى في عام ١٣٣٣ هـ - ولكن بريطانيا - سرعان ما ألقت القبض عليه عند ما كان في الحجاز - وأخذته إلى السجن في جزيرة "مالطا" في البحر الأبيض المتوسط - حيث بقي ثلاث سنوات ويزيد - يعاني من ويلات الحياة كسجين.
وقد رافقه في جزيرة "مالطا" من تلامذته شيخ الإسلام الشيخ حسين أحمد المدني (المتوفى ١٣٧٧ هـ) والشيخ عزير كل (ولا يزال حيا يرزق) والشيخ الطبيب السيد نصرت حسين (المتوفى ١٣٣٧ هـ) والشيخ وحيد أحمد المدني (المتوفى ١٣٥٧ هـ) وقد تولى أمر الجهاد في سبيل الله أثناء غياب شيخ الهند الشيخ محمود حسن الديوبندي في رحلته إلى الحجاز ثم بقائه سجينا في مالطا - الشيخ عبد الرحيم الرائبوري الذي قام بواجبه بإخلاص وتفاني في أداء الواجب.
وعندما توفي شيخ الهند الشيخ محمود حسن تولى شيخ الإسلام الشيخ حسين أحمد المدني رئيس جمعية العلماء المسلمين بالهند أمر الجهاد بقوة وعزيمة منقطعة النظير ورفع رايته عاليا ما بقي حيا - وقد كرس حياته كلها
المقدمة / 7
لإعلاء كلمة الحق وكان متفانيا في الجهاد والكفاح ضد الباطل وكم عانى حياة السجون وشدائدها وقد كانت شخصيته تحديا للسيطرة البريطانية ولم يكن للحكم البريطاني قبل به.
وإن الأعمال الجليلة التي قام بها أبناء ديوبند مثل المفتي الأعظم الشيخ كفايت الله الدهاوي (المتوفى ١٣٧٢ هـ) وسحبان الهند الشيخ أحمد سعيد الدهلوي (المتوفى ١٣٨٠ هـ) وأمير الشريعة وزعيم الأحرار الشيخ عطاء الله شاه البخاري (المتوفى ١٣٨١ هـ) والمجاهد الكبير الشيخ حفظ الرحمن السيوهاروي (المتوفى ١٣٨١ هـ) والسيد الشيخ محمد ميان الديوبندي (المتوفى ١٣٩٥ هـ) وقائد الأحرار الشيخ حبيب الرحمن اللوديانوي (المتوفى ١٣٧٧ هـ) وشيخ التفسير الشيخ أحمد علي اللاهوري (المتوفى ١٣٨١ هـ) ﵏، في ساحة الجهاد والكفاح لإعلاء كلمة الحق مما تفتخر بها الملة الإسلامية في شبه القارة الباكستانية الهندية.
وقد كان مشاهير الزعماء المسلمين في هذا الجزء من الأرض أمثال الشيخ أبو الكلام آزاد (المتوفى ١٣٧٨ هـ) ورئيس الأحرار الشيخ محمد علي جوهر (المتوفى ١٣٤٩ هـ) وأخيه الشيخ شوكت علي (المتوفى ١٣٥٧ هـ) والطبيب الشهير الشيخ محمد أجمل خان الدهلوي (المتوفى ١٣٤٦ هـ) وهم كالنجوم اللامعة بالنسبة للملة، من أتباع شيخ الهند الشيخ محمود حسن الديوبندي ﵏.
كما أن العلماء المسلمين من مدرسة ديوبند الشهيرة أدوا خدمات جليلة وقدموا تضحيات لا مثيل لها من أجل تحرير شبه القارة الباكستانية الهندية - كذلك من جهة أخرى كافحوا وناضلوا من أجل استقلال باكستان كفاحا مشرفا تتزين به صفحات التاريخ وهل هناك من يشك في مساعي حكيم الأمة الشيخ أشرف علي التانوي (المتوفى ١٣٦٢ هـ) وشيخ الإسلام الشيخ
المقدمة / 8
شبير أحمد العثماني (المتوفى ١٣٦٩ هـ) والشيخ ظفر أحمد العثماني (المتوفى ١٣٩٤ هـ) والمفتي الأعظم الشيخ محمد شفيع الديوبندي (المتوفى ١٣٩٦ هـ) رحمهم الله تعالى لأجل تأسيس دولة باكستان؟ والحق أن مساعيهم وجهودهم لأجل تأسيس دولة باكستان غنية عن الشرح والبيان لأنها تفوق الجهود الذي بذلها العلماء المسلمون في شبه القارة لأجل تحرير البلاد بمراحل ولهذا السبب عندما حان الوقت عقب استقلال باكستان وعندما استلزم الأمر رفع العلم الباكستاني رسميا تولى الشيح ظفر أحمد العثماني التانوي رفع العلم الباكستاني في باكستان الشرقية كما تولى الشيخ شبير أحمد العثماني الديوبندي رفعه بيده الكريمة في باكستان الغربية.
لقد استنار واستفاد بتعليمات سيد الطائفة الحاج إمداد الله المهاجر المكي وقطب الإرشاد الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي حكيم الأمة الشيخ أشرف علي التانوي رحمه الله تعالى - وقد ألف ما يربو على ألف كتاب في العلوم الشرعية الإسلامية، وبذلك ساهم بقسط وافر في حركة البعث الإسلامي التي تزعمتها مدرسة ديوبند.
وفي نفس الوقت عم فيض قطب العالم الشيخ عبد الرحيم الرائبوري وخليفته قطب عصره الشيخ عبد القادر الرائبوري قدس سرهما واستفاد به عدد كثير من أفراد الأمة الإسلامية وعلى رأس كبار الشخصيات التي استفادت من الشيخ الرائبوري سماحة السيد أبو الحسن علي الندوي الشهير في العالم الإسلامي كله بسبب كتاباته الرائعة.
إن ما قام به إمام المحدثين الشيخ محمد أنور شاه الكشميري (المتوفى ١٣٥٢ هـ) والمحدث الكبير الشيخ خليل أحمد السهارنبوري (١٣٤٦ هـ) وهما من أجلة العلماء المسلمين بديوبند من خدمات جليلة في مجال الحديث النبوي غنية عن الشرح والبيان.
ثم إن الحركة النشيطة لتبليغ الدين الحنيف التي عرفت في العالم
المقدمة / 9
أجمع بـ "جماعة التبليغ" والذي يرجع الفضل في إنشائها إلى الشيخ محمد إلياس كاندلوي (المتوفى ١٣٦٣ هـ) وهو من أتباع الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي - والكتاب الجليل "تبليغي نصاب" الذي وضعه الشيخ محمد زكريا الكاندلوي (ولا زال حيا يرزق) لاقى رواجا كبيرا حتى إن هنالك تراجم في عدة لغات عالمية لمصنفه الفذ.
هذا وما قدمه الشيخ عزيز الرحمن الديوبندي (المتوفى ١٣٤٥ هـ) والشيخ المفتي كفايت الله الدهلوي والشيخ المفتي سيد مهدي حسن الشاهجهان بوري (المتوفى ١٣٩٦ هـ) والشيخ المفتي محمد شفيع الديوبندي من خدمات جليلة في مجال الفقه الحنفي، جدير بمدرسة ديوبند أن تفتخر وتعتز بها.
وفي ضوء هذه الحقيقة أصاب الذين أكدوا من أهل الرأي والبصيرة أن الله تعالى وكل أمر البعث الإسلامي العالمي في عصرنا في مجال العلم والعمل إلى العلماء المسلمين من ديوبند.
أنهم بدون استثناء من أهل السنة والجماعة يتبعون الإمام الأعظم أبا حنيفة النعمان الكوفي (المتوفى ١٥٠ هـ) ﵀ في المسائل الفقهية - ومما لا شك فيه أن الأمة الإسلامية تتبع المذاهب الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي - وكل هذه المذاهب تنطوي على أقوال وأعمال وسيرة النبي ﵊ وتتبع القرآن حيث يقول الله ﷿ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ وهذا أيضًا مما لا مراء فيه أن معظم أفراد الملة الإسلامية يتبعون الفقه الحنفي وأكثرهم في شبه القارة الباكستانية الهندية - والحق أن مدرسة ديوبند لهي أكبر مركز عالمي للفقه الحنفي - وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقد أسست مدرسة ديوبند الكبرى عام ١٢٨٢ هـ وقد مضى أكثر من
المقدمة / 10
قرن على بقاء مدرسة ديوبند كمنهل عذب لطالبي العلوم الإسلامية وقد بقيت تخدم القضية الإسلامية عن طريق نشر العلوم والمعارف الإسلامية، هذا وقد سبق أن حصل آلاف مؤلفة من طلبة العلم والمعرفة شهادات التخرج منها - وهم من مختلف أنحاء المعمورة وقد تخرج من مدرسة ديوبند عدد كبير من كبار المفسرين والفقهاء والمحدثين الذين خدموا الإسلام في مجال الحديث والتفسير والفقه خدمة تعد شرفا لمدرستهم التي ترفع رأسها عاليا مفتخرة بأبنائها البررة.
هذا وقد قام علماء الحديث من ديوبند بتدوين الفقه الحنفي على أساس الأحاديث النبوية الشريفة بطريقة فذة لا تتحمل أدنى شك فيما دبجه يراع هؤلاء الجهابذة من العلماء المسلمين.
وقد قال الشاعر:
گرنه بيند بروز شيره جشم … جشمة آفتاب را جه گناه (١).
وفيما يلى بعض التفاصيل:
١ - الشيخ محمد قاسم النانوتوي: تحشية الأجزاء الستة الأخيرة من الجامع الصحيح للإمام البخاري.
٢ - الشيخ رشيد أحمد الگنگوهي: الكوكب الدري على جامع الترمذي ولامع الدراري على جامع البخاري (كلاهما من إفاداته الدرسية).
٣ - الشيخ محمود حسن المعروف بشيخ الهند: الأبواب والتراجم وترجمة القرآن العظيم. باللغة الأردوية.
٤ - الشيخ أنور شاه الكشميري: فيض الباريء، العرف الشذي على جامع الترمذي كلاهما من إفادته الدرسية. وله تعليقات على آثار السنن لم يطبع بعد.
_________
١ - إذا كان الرجل أخفش العين لا يبصر بالنهار فأي ذنب فيه للشمس؟
المقدمة / 11
٥ - الشيخ عبد العزيز گوجرانوالوي: نبراس الساري على أطراف البخاري.
٦ - الشيخ محمد إدريس الكاندلوي: مقدمة صحيح الإمام البخاري وتحفة القاري بحل مشكلات البخاري والتعليق الصبيح على مشكاة المصابيح ومعارف القرآن (تفسير).
٧ - الشيخ خليل أحمد السهارنفوري: بذل المجهود في حل أبي داؤد (الآن طبع في عشرين مجلدات اهتم بطبعه الجديد المحدث الكبير الشيخ محمد زكريا الكاندلوي).
٨ - الشيخ فخر الحسن گنگوهي: التعليق المحمود على سنن أبي داؤد.
٩ - الشيخ أشرف على التهانوي: بيان القرآن والتشرف بمعرفة أحاديث التصوف وإمداد الفتاوي في ست مجلدات.
١٠ - الشيخ المفتي كفايت الله: فتاواه قد جمعت باسم "كفاية المفتي" فى تسع مجلدات.
١١ - الشيخ السيد حسين أحمد المدني: إفاداته الدرسية المتعلقة بجامع الترمذي. جمعت باسم "هداية المجتنى من فيوض الحبر المدني".
١٢ - الشيخ محمد إعزاز علي شيخ الفقه والأدب: له حواش وتعليقات على نور الإيضاح وكنز الدقائق وشرح النقاية لملا علي قاري.
١٣ - الشيخ شبير أحمد عثماني الديوبندي: تفسير عثماني وفتح الملهم بشرح صحيح مسلم وفضل الباري بشرح صحيح البخاري.
١٤ - الشيخ السيد فخر الدين أحمد: إيضاح البخاري والقول النصيح.
١٥ - الشيخ شمس الحق الأفغاني: معين القضاة والمفتيين وشرعي ضابطه ديواني وعلوم القرآن.
المقدمة / 12
١٦ - الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي: تحقيق وتعليق على سنن سعيد بن منصور وعلي مسند الحميدي وعلى كتاب الزهد والرقاق لعبد الله ابن المبارك وعلى المطالب العالية بزوائد الثمانية للحافظ بن الحجر العسقلاني وعلى مختصر كتاب الترغيب والترهيب لابن الحجر العسقلاني. وعلى مصنف عبد الرزاق وغيرها.
١٧ - الشيخ المفتي عزيز الرحمن: مجموعة فتاواه طبعت في عشر مجلدات.
١٨ - الشيخ المفتي محمد شفيع الديوبندي: فتاواه بلغت قريبا من مائتي ألف والمطبوع منها قدر يسير وتفسير معارف القرآن في ثماني مجلدات ضخمة.
١٩ - الشيخ بدر عالم الميرتهي: فيض الباري فى أربع مجلدات ترجمان السنة في أربع مجلدات ضخمة.
٢٠ - الشيخ حفظ الرحمان السيوهاروي: حفظ الرحمن لمذهب النعمان وإسلام كا اقتصادي نظام وقصص القرآن في أربع محلدات.
٢١ - الشيخ السيد محمد ميان الديوبندي: مشكاة الآثار.
٢٢ - الشيخ سعيد أحمد أكبر آبادي: إسلام ميى غلامي كي حقيقت ووحي إلهي وفهم قرآن.
٢٣ - الشيخ محمد منظور النعماني: معارف الحديث في ست مجلدات.
٢٤ - الشيخ حامد الأنصاري غازي: إسلام كا نظام حكومت.
٢٥ - الشيخ القاضي زين العابدين: قاموس القرآن وانتخاب صحاح سته سجاد الميرتهي
المقدمة / 13
٢٦ - الشيخ ظفر أحمد عثماني: "إعلاء السنن" في عشرين مجلدات.
٢٧ - الشيخ محمد يوسف البنوري: معارف السنن شرح الجامع الترمذي.
٢٨ - الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي: أماني الأحبار في شرح معاني الآثار.
٢٩ - المحدث الجليل الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي: أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك وتبويب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة وتبويب مشكل الآثار ومعجم الصحابة التي أخرج عنهم أبو داؤد الطيالسي في مسنده وجزء المبهمات في الأسانيد والروايات وغيرها.
٣٠ - الشيخ عاشق الهي بلند شهري: مجاني الأثمار بشرح معاني الآثار.
لقد شاهد المنتمون إلى مدرسة ديوبند أخيرا ما آل إليه أمر المسلمين بسبب الحضارة الغربية وما جلبته من فتن ومآسي فيما يخص عقائد الجيل الجديد من المسلمين فهناك الذين أصيبوا بالزندقة أو عدم التقليد ولذلك قرروا تأسيس "دار المعارف النعمانية" - وهي مؤسسة مهمتها طبع ونشر التعاليم الدينية والمحافظة على المسلك الحنفي - وستتولى المؤسسة طبع المؤلفات الحديثة والقديمة - أعان الله القائمين على أمرها وأثابهم مجهودهم الديني وجعلهم في عداد المخلصين للرسالة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام.
العبد الأحقر نفيس الحسيني
غفر الله ذنوبه وستر عيوبه
٢٣ جمادى الثانية ١٤٠١ هـ
المقدمة / 14
المآخذ والمراجع
١ - تذكره مجدد ألف ثاني: للشيخ محمد منظور ےالنعماني.
٢ - عدد ألف ثاني: للشيخ زوار حسين شاه.
٣ - حكمت ولى اللهى كا اجمالى تعارف: للشيخ عبيد الله السندي.
٤ - شاه ولى الله اور ان كي سياسى زندگي: " " "
٥ - سيرت سيد أحمد شهيد: للشيخ السيد أبي الحسن على الندوي.
٦ - كاروان إيمان وعزيمت: " " "
٧ - سيد أحمد شهيد: للأستاذ غلام رسول مهر.
٨ - جماعت مجاهدين: " " "
٩ - شاه عبد الرحيم شهيد ولايتي (تحت التأليف): للسيد نفيس الحسيني.
١٠ - نور محمدي (حيات ميانجيو نور محمد جنجانوي): للشيخ نسيم أحمد جنجانوي.
١١ - شيخ العرب والعجم حضرة حاجي إمداد الله مهاجر مكي: للسيد نفيس الحسيني.
١٢ - حيات إمداد: للشيخ أنوار الحسن شيركونى.
١٣ - تذكرة الرشيد: للشيخ عاشق الهي الميرتهي.
١٥ - سوانح حضرة مولانا محمد قاسم نانوتوي: للشيخ محمد يعقوب النانوتوي.
١٦ - سوانح قاسمي: للشيخ مناظر أحسن گيلاني.
المقدمة / 15
١٧ - حيات حافظ ضامن شهيد (المخطوطة): للشيخ الطبيب ضياء الدين الرامبوري.
١٨ - أنوار محمدي: للشيخ محمد المحدث التهانوي.
١٩ - إرشاد محمدي: " " "
٢٠ - علماء هند كا شاندار ماضي: للشيخ السيد محمد ميا الديوبندي
٢١ - بيس بزي مسلمان: للشيخ عبد الرشيد أرشد
٢٢ - أشرف السوانح: للأستاذ عزيز الحسن مجذوب
٢٣ - نقش حيات: للشيخ السيد حسين أحمد المدني.
المقدمة / 16
الجامع الكبير
للإمام الحافظ المجتهد الرباني أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى
المتوفى سنة ١٨٩ هـ
طبع من النسخة الرومية باستانبول وقوبل بالنسخة التونكية بالهند وما وجد من نسخة دار الكتب المصرية
عنى بمقابلة أصوله مكتبة
أبو الوفا الأفناني رحمه الله تعالى
دار المعارف النعمانية
الجامعة المدنية، كريم بارك، لاهور
يطلب من
المكتبة المدنية ١٧ - اردوبازار، لامور
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خيرة الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه الذين نصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، والتابعين.
وبعد: فإن أشرف العلوم القرآنية وأنفعها علم الفقه؛ وإن أحسن ما صنف فيه كتب الإمام الجليل أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني قدّس الله سره؛ وإن أهم مصنفاته وأعمقها وأدقها: "الجامع الكبير".
قال الإمام محمد بن شجاع الثلجي ﵁: "ما وضع في الإسلام كتاب في الفقه مثل جامع محمد بن الحسن الكبير". وقال: "مثل محمد بن الحسن في "الجامع الكبير" كرجل بنى دارًا: فكان كلما علاها بنى مرقاة يرقى منها إلى ما علاه من الدار، حتى استتم بناءها كذلك؛ ثم نزل عنها وهدم مراقيها ثم قال للناس: شأنكم فاصعدوا".
قال الأستاذ الكوثري، حفظه الله، بعد أن نقل كلام الثلجي: "والحق أن هذا الكتاب آية في الإبداع، ينطوي على دقة بالغة في التفريع على قواعد اللغة وأصول الحساب، خلا ما يحتوي عليه من المضي على دقائق أصول الشرع الأغرّ. فلعله ألفه ليكون محكا لتعرف نباهة الفقهاء، وتيقظهم في وجوه التفريع، يحار العقل في فهم وجوه تفريعه في ذلك إلى أن تشرح له. وهو كما قال ابن شجاع أولا وآخرا، إلا أن مراقي الكتاب أعيدت إلى أبواب الكتاب، كما يظهر من شرحي الجمال الحضيري على الجامع الكبير، حيث يقول في صدر كل باب من أبواب الكتاب: "أصل الباب كذا، وبنى الباب على كذا" فبذلك سهلت معرفة وجوه التفريع جدا" (^١).
وقال الإمام أبو بكر الرازي في شرح الجامع الكبير: "كنت أقرأ بعض مسائل من الجامع الكبير على بعض المبرزين في النحو (يعني أبا علي الفارسي) فكان يتعجب من تغلغل واضع هذا الكتاب في النحو" (^٢).
_________
(^١) بلوغ الأماني: في سيرة الإمام محمد بن الحسن الشيباني، لفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمد زاهد الكوثري (ص ٥٨).
(^٢) بلوغ الأماني (ص ٦٣).
1 / 3
وكتب جمال الدين بن عبيد الله، من الموصل في المحرم سنة خمس عشرة وستمائة، إلى القاضي شرف الدين ابن عنين يقول فيه: "كنت مذ زمن طويل تأملات كتاب الجامع الكبير لمحمد بن الحسن، ﵀، وارتقم علي خاطري منه شيء. والكتاب في فنه عجيب غريب، لم يصنف مثله" (^١).
وقال أكمل الدين الباربرتي: "هو، كاسمه، لجلائل مسائل الفقه جامع كبير. قد اشتمل على عيون الروايات، ومتون الدرايات، بحيث كاد أن يكون معجزا، ولتمام لطائف الفقه منجزًا. شهد بذلك، بعد إنفاد العمر فيه، واردوه، ولا يكاد يلم بشيء من ذلك عادّوه. ولذلك امتدت أعناق ذوي التحقيق نحو حقيقته، واشتدت رغباتهم في الإعتناء بحل لفظه وتطبيقه، وكتبوا له شروحا، وجعلوه مبينا مشروحا" (^٢).
ولدقة مسائل الكتاب وصعوبة تخريجها شرحه كثير من أئمة الفقهاء، كالإمام أبي خازم عبد الحميد بن عبد العزيز، والإمام علي بن موسى القمي، والإمام أحمد بن محمد الطحاوي، والإمام أبو الحسن الكرخي، وأبي عمرو أحمد بن محمد الطبري، وأبي بكر أحمد بن علي الجصاص الرازي، والفقيه أبي الليث نصر بن محمد السمرقندي، وأبي عبد الله محمد بن يحيى الجرجاني، وشمس الأئمة عبد العزيز بن محمد الحلواني، وشمس الأئمة أبي بكر محمد بن أحمد السرخسي، وفخر الإسلام علي البزدوي. وأبي اليسر محمد البزدوي، والصدر الشهيد حسام الدين عمر بن مازه البخاري، ومحمود بن أحمد البرهان، وعلاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي، وأبي حامد أحمد بن محمد العتابي البخاري، والحسن بن منصور الأوزجندي (قاضيخان)، وبرهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني، وجمال الدين محمود بن أحمد الحصيري البخاري.
وشرح الحصيري الكبير "التحرير" في أربعة مجلدات طالعت الأوّل والرابع. منها فإذا هو شرح حافل بالنفائس، حاوٍ لكثير من الفروع الممتعة، يستقيها تارة من "الأصل" وغيره من مؤلفات الإمام محمد ﵁، وطورًا من شروح الكرخي والجصاص والسرخسي. وبينما تراه يجيب عما أورده بعض شراح الكتاب، بل وغيرهم على بعض المسائل كأبي خازم والرازي. والجرجاني، تراه
_________
(^١) بلوغ الأماني (ص ٦٣).
(^٢) كشف الظنون.
1 / 4
يناقش الجصاص في كثير من آرائه التي تفرد بها. وفضلا عن هذا كله فإنه يبين في صدر كل باب الأصل الذي بناه عليه الإمام محمد قدّس الله سره، فيقول: "أصل الباب كذا، وبناه على كذا" فبذلك سهلت معرفة وجوه التفريعات جدا.
والجامع الكبير له نسختان: الأولى، والثانية؛ صنفه أوّلا ورواه عنه أصحابه: أبو حفص الكبير، وأبو سليمان الجوزجاني، وهشام بن عبيد الله الرازي، ومحمد بن سماعة، وغيرهم؛ ثم نظر فيه ثانيًا، فزاد فيه أبوابًا ومسائل كثيرة، وحرّر عباراته في كثير من المواضع حتى صار أكثر لفظًا، وأغزر معنى؛ ورواه عنه أصحابه ثانيًا.
ولجلالة الكتاب ونفاسته عى أئمتنا الحنفية، شكر الله سعيهم. بشأنه؛ فمن شارح له، إلى ناظم، إلى ملخص. وكان لي من شرخ الشباب شغف بكتب الإمام محمد ﵁. وشوق لرؤيتها، ولا سيما الجامع الكبير منها. فإني كنت أرى في مطالعاتي صفته ومدحه وحسن أسلوبه ودقة معانيه: فكنت أفتش مكتبات الهند وفهارسها فلا أظفر به. ورأيت نسخة منه في فهرس مكتبة شيخ الإسلام ولي الدين أفندي باستانبول، وأخرى ناقصة في فهرس "دار الكتب المصرية".
ولما ألفنا لجنة "إحياء المعارف النعمانية" لنشر كتب المتقدمين من أئمتنا، قرّرنا البدء بإحياء الجامع الكبير: ولكن كيف السبيل إلى الحصول على الأصل الذي نطبع منه!!
لذلك عزمت على الرحلة في البلاد الهندية للبحث عنه إنفاذًا لقرار اللجنة. وفي شهر رمضان من سنة سبع وأربعين وثلثمائة وألف بدأت رحلتي. فدخلت بلدة "بوبال" المحروسة. ثم بلدة "تونك" المحمية: فوجدت بها نسخة منه في مكتبة المرحوم عبد الرحيم صاحب زاده. ثم خرجت منها إلى بلدة "دهلي" قاعدة الهند، ثم إلى غيرها من البلاد. ثم إلى "بيشاور" لرؤية مكتبات مشايخ القادرية. ثم إلى بعض جبال الأفاغنة، ثم قفلت راجعا في نهاية الشهر ولم أعثر بعد على غير النسخة التونكية.
وفى رجب من العام القابل رحلت إلى "تونك" مرة أخرى لنسخ الكتاب؛ فإني لم أجد بها في الرحلة الأولى من يقوم عنا بنسخه. دخلت "تونك" وأريت الكتاب الناسخين: فأبوا نسخه لصعوبة خطه. فشرعت في نسخه بنفسي مستعينًا بالله وطالبا التوفيق منه سبحانه. فعملت يومين. ثم منعني أمين المكتبة؛
1 / 5