الأشربة و ذكر اختلاف الناس فيها
محقق
د حسام البهنساوي، أستاذ علم اللغة المساعد جامعة القاهرة - كلية الدراسات العربية والإسلامية بالفيوم
الناشر
مكتبة زهراء الشرق
مكان النشر
القاهرة
وَمَثَلُ الْأَشْرِبَةِ الَّتِي فِي التَّنْزِيلِ الَّذِي نَزَّلْنَاهَا بِهِ الْمَيْسِرُ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكِتَابِ وَحَرَّمَتِ السُّنَّةُ النرد وأحل للناس الرهان والنظال وهما قمار ويرخص للناس باللعب بِالْجَوْزِ وَالشَّهَارِدَةِ وَمَثَلُ الِاسْتِقْسَامُ بِالْأَزْلَامِ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَفْصِلُوا بَيْنَ مُشْتَبَهَيْنِ أَوْ يَخْتَارُوا أَحَدَ أَمْرَيْنِ أَوْ يَتَعَرَّفُوا الحظ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مُجْتَمِعٌ مُخْتَلِفٌ اسْتَقْسَمُوا بِالْقِدَاحِ فَمَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ عُمِلَ بِهِ فَحَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكِتَابِ وَأَحَلَّ لَنَا الْقُرْعَةَ وَجَعَلَهَا بَابًا مِنَ الْحُكْمِ وَهِيَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالِاسْتِقْسَامِ وَمَثَلُ ذَلِكَ الْغِنَاءُ يَكْرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْهُ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ رَقِيقِهِ وَأَهْزَاجِهِ وَتَرْجِيعِهِ وَإِطْرَابِهِ وَيُرَخِصُّونَ فِي الْحُدَاءِ وَغِنَاءِ الرُّكْبَانِ والنصت.
فَتَفَهَّمْ رَحِمَكَ اللَّهُ مَا قُلْنَاهُ وَتَدَبَّرْهُ وَلَا تَتَأَوَّلْ عَلَيْنَا فِي الْمُفْتِرِ أَنَّهُ الْمُسْكِرُ وَلَا فِي الصُّلْبِ أَنَّهُ مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ النَّاسُ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤْتُوا فِي شرب ما يحرم إلا الْغَلَطِ فِي الْكَيْفِيَّةِ إِذْ كَانَ مَنْ تَقَدَّمَ لَمْ يَجِدْ فِي الرَّقِيقِ حَدًّا وَلَا فِي الْمَتِينِ حَدًّا وَلَا قِيلَ مَا صُبَّ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ سِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ هُوَ الْحَلَالُ وَلَا مَا صُبَّ فِيهِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ هُوَ الْحَرَامُ.
وسمعوا بِأَنَّ خِيَارَ الصَّحَابَةِ شَرِبُوا الصُّلْبَ وَشَرِبُوا النَّبِيذَ فَتَوَهَّمُوا أَنَّهُمْ شَرِبُوا الْمُسْكِرَ وَوَجَدُوا مَحَبَّةً مِنَ النُّفُوسِ لِذَلِكَ وَمُشَايَعَةً مِنَ الْهَوَى وَإِنَّمَا الصُّلْبُ الَّذِي شَرِبُوهُ مَا زَايَلَتْهُ الْحَلَاوَةُ فَصَارَ صُلْبًا بِمُفَارَقَةِ لِينِ الْحَلَاوَةِ وَعُذُوبَتِهَا وَهُوَ فِي نَفْسِهِ رَقِيقٌ ضَعِيفٌ لَا يَكُونُ مِنْهُ إِذَا شَرِبَ الرَّجُلُ مَا فِي وُسْعِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَشْرَبَ مِثْلَهُ أطباق في الْعَقْلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْإِكْثَارِ مِنْهُ خَدَرٌ يَعْتَرِي الْوَجْهَ وَيَنْشَطُ.
وخير لَكَ إِنْ كُنْتَ تَخَافُ أَنْ يَدَعُوَكَ مَا رُخِّصَ لَكَ فِيهِ إِلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْكَ أَنْ
1 / 248