276

أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

محقق

أحمد بن فريد المزيدي

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

صاعنا، وفى مدّنا. اللهمّ إنّ إبراهيم عبدك وخليلك ونبيّك، وإنّى عبدك ونبيّك، وإنّه دعاك لمكّة، وإنّى أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكّة ومثله معه، قال: ثمّ يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثّمر».
ــ
يكفى الكيال فيها من لا يكفيهم أمثاله فى غيرها، كما هو مشاهد فالبركة فى نفس مكيالها، ويحتمل أنها فى إثارة الدينية بمعنى دوام أحكامه المتعلقة به فى نحو الزكاة والكفارات، ودوامها بدوام الشريعة والدنيوية من البركة فى نفس المكيل كما مر، وفى التصرف به فى التجارة حتى يزداد ريحها، وفى اتساع عيش أهلها، حتى صار يجىء إليها من كل الأرزاق التى بنحو الشام والعراق وغيرهما، مما منّ الله بفتحه على المسلمين استجابة لدعاء نبيه ﷺ الذى تضمنه قوله: (وإنى أدعوك للمدينة) وما دعى به إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، ذلك هو قوله:
رَبَّنا. . . فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ اَلنّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَاُرْزُقْهُمْ مِنَ اَلثَّمَراتِ (١) وقد أجاب الله دعوته ذلك، ولنبينا ﷺ دعوته المحمدية فصار يجىء إليها فى زمان الخلفاء الراشدين من مشارق الأرض ومغاربها الثمرات، وزيادة رفعته عليها، استجابة لقوله: (ومثله معه) وهى شيئان: أحدهما: فى ابتداء أن المراد هو كنوز كسرى وقيصر وغيرهما وإنفاقهما فى سبيل الله على أهلهما، وأما آخر الأمر: وهو أن الإيمان يأرز إليها من أقطار الأرض وتتابع البلدان، كما تأرز الحية إلى وكرها. (ونبيك) ولم يقل: و(خليلك) وإن كان خليلا كما نص عليه ﷺ فى غير هذا الموضع بل وأرفع من الخليل، لأنه خص بمقام المحبة الذى هو أرفع من مقام الخلة لأنه فى مقام التواضع إذ هو اللائق بمقام الدعاء، وأيضا فراعى الأدب مع أبيه ﷺ على أنه أشار إلى تميزه بقوله: (ومثله معه) فى تنبيه بقوله فى مكة أنها حرام بحرمة الله من تحريم خلق السماوات والأرض على أن إبراهيم ﵇ لم يوجد ويبتدئ تحريم مكة، وإنما إظهاره فقط بخلاف محمد ﷺ فإنه الذى أوجد حرمة المدينة إذ لم يكن لها قبل دعائه بحلوله بها ذلك الاحترام الذى ترتب على وجوده ودعائه لها بذلك وشتان بين ما كان سببا لإظهار شىء موجود، إلا أنه كائن خفى، ومن كان سببا لإيجاد تحريم وتعظيم واحترام لم يكن موجودا قبل ذلك. (ثم يدعو) إنما لم يتناوله، لمزيد مكارم أخلاقه وكمال شفقته ورحمته وملاطفته لمن دون

(١) سورة إبراهيم: آية رقم (٣٧).

1 / 281