صلى الله عليه وسلم
سعيه، وأنفذ في المشارق والمغارب أمره ونهيه، اللهم وأصلح به أوساط الناس وأطرافها وأرجاء المملكة وأكنافها. اللهم ذلل به معاطس الكفار، وأرغم به أنوف الفجار، وانشر ذوائب ملكه على الأمصار، وأثبت سرايا جنوده في سبل الأقطار. اللهم أثبت الملك فيه وفي عقبه إلى يوم الدين، واحفظه في بنيه وبني أبيه الملوك الميامين، واشدد عضده ببقائهم، واقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم. اللهم كما أجريت على يده في الإسلام هذه الحسنة، التي تبقى على الأيام، وتتخلد على مر الشهور والأعوام، فارزقه الملك الأبدي الذي لا ينفد في دار المتقين، وأجب دعاءه في قوله:
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين . ا.ه. (22) خطبة لأديب إسحاق
ولد أديب إسحاق في سنة 1856 وتوفي في سنة 1885 فلم يكد يبلغ الثلاثين من العمر، «ومن أحبته الآلهة مات صغيرا.» ومن يقرأ مخلفاته الأدبية يجد أنه لم يكن يعيش ببطء وإنما كان يسرع في العيش كأنه كان يحس بقصر عمره فكان يقتني من التجارب الذهنية - وهي كل ثروة الأديب - في العام الواحد ما لا يستطيع غيره أن يقتنيه في أعوام.
قال عنه الشيخ إسكندر إلعازار صديقه يصفه أنه كان «راية في علم اللسان وآية في صناعة البيان وغاية في حب الإنسان، وكان فتى لا كالفتيان، جريئا في الحق ما أخذته فيه لومة لائم وما رهب فيه وعيدا ... عاش حر الضمير فكرا وقولا وعملا، ومات حر الضمير فكرا وقولا وعملا، نشأ وطنيا خالصا صحيحا وعاش جنديا لأشرف الأصول وأسمى الغايات، وأنفق في خدمتها من روحه ما كان ينفخ في القلم من الروح ... كان زهرة الأدب في الشام وريحانة العرب في مصر، وكان للوطنية نصيرا وبالإنسانية بشيرا ولأعدائها نذيرا.»
وقد ألقى الخطبة التالية في جمعية زهرة الآداب وموضوعها التعصب والتساهل، قال:
لقد جرى لفظ التعصب على ألسنة أهل الإنشاء العربي بمعنى الغلو في الدين والرأي إلى حد التحامل على من خالفهما بشيء فيما يدين وما يرى، وأجريت ها هنا لفظ التساهل بمعنى الاعتدال في المذهب والمعتقد على ضد ذلك الغلو متابعة للإفرنج في لفظهم المعبر عن هذا القصد (توليرانس).
ولا أجهل أن هذين الحرفين - لفظ التعصب ولفظ التساهل - غير وافيين بالمراد منهما اصطلاحا وأن في إيلاء الأول معنى الغلو في الدين والرأي توسعا عظيما، وفي إشراب الثاني ضد ذلك المعنى خروجا عن الحد اللغوي. ولكن للاصطلاح حكما نافذا يسوق الألفاظ إلى المعنى الغريب فتنقاد، فإذا مرت عليها الأيام، وصقلتها الألسنة والأقلام، جاءت منطبقة عليه بلا إلهام ولا إيهام.
وحد التعصب عند أهل الحكمة العصرية غلو المرء في اعتقاد الصحة بما يراه، وإغراقه في استنكار ما يكون على ضد ذلك الرأي حتى يحمله الإغراق والغلو على اقتياد الناس لرأيه بقوة ومنعهم من إظهار ما يعتقدون ذهابا مع الهوى في ادعاء الكمال لنفسه وإثبات النقص لمخالفيه من سائر الخلق.
وحد التساهل عندهم رضا المرء برأيه اعتقاد الصحة فيه واحترامه لرأي الغير كائنا ما كان رجوعا إلى معاملة الناس بما يريد أن يعاملوه فهو على إثباته الصواب لما يراه لا يقطع بلزوم الخطأ في رأي سواه، وعلى رغبته في تطرق رأيه للأذهان، لا يمنع الناس من إظهار ما يعتقدون.
صفحة غير معروفة