وقد كنت من سلمى سبين ثمانيا ... على صبر أمر ما يمر وما يحلو
وكنت إذا ما جئت يومًا لحاجة ... مضت وأجمت، حاجة الغد ما تخلو
وكل محب أحدث النأي عنده ... سلو فؤاد غير حبك ما يسلو
تأوبني ذكر الأحبة بعده ما ... هجعت ودوني قلة الحزن فالرمل
فأقسمت جهدًا بالمنازل من منى ... وما سحقت فيها المقادم والقمل
لأرتحلن بالفجر ثم لأدأبن ... إلى الليل إلا أن يعرجني طفل
إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم ... أصاغرهم وكل فحل له نجل
تربص فإن تقو المروراة منهم ... وداراتها لا تقو منهم إذن نخل
فإن تقويا منهم فإن محجرًا ... وجزع الحسا منهم إذن قلما يخلو
بلاد بها ندمتهم وألفتهم ... فإن تقويا منهم فإنهما بسل
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم ... طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل
بخيل عليها جنة عبقرية ... جديرون يومًا أن ينالوا فيستعلوا
وإن يقتلوا فيشتفى بدمائهم ... وكانوا قديمًا من مناياهم القتل
عليها أسود ضاريات لبوسهم ... سوابغ بيض لا تخرقها النبل
إذا لقحت حرب عوان مضرة ... ضروس تهر الناس أنيابها عصل
قضاعية أو أختها مضرية ... يحرق في حافاتها الخطب الجزل
تجدهم على ما خيلت هم إزاءها ... وإن أفسد المال الجماعات والأزل
يحشونها بالمشرفيات والقنا ... وفتيان صدق لا ضعاف ولا نكل
تهامون نجديون كيدًا ونجعة ... لكل أناس من وقائعهم سجل
هم ضربوا عن فرجها بكتيبة ... كبيضاء حرس في طوائفها الرجل
متى يشتجر قوم تفل سرارتهم ... هم بيننا فهم رضا وهم عدل
هم جددوا أحكام كل مضلة ... من العقم لا يلقى لأمثالها فصل
بعزمة مأمور مطيع وآمر ... مطاع فلا يلقى لحزمهم مثل
ولست بلاق بالحجاز مجاورا ... ولا سفرًا إلا له منهم حبل
بلاد بها عزوا معدا وغيرها ... مشاربها عذب وأعلامها ثمل
هم خير حي من معد علمتهم ... لهم نائب في قومهم ولهم فضل
فرحت بما خبرت عن سيديكم ... وكانا امرأين كل أرهما يعلو
رأى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
تداركتما الأحلاف قد ثل عرشهم ... وذبيان قد زلت بأقدامها النعل
فأصبحتما منها على خير موطن ... سبيلكما فيه وإن أحرثوا سهل
إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت ... ونال كرام المال في الحجرة الأكل
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينًا بها حتى إذا نبت البقل
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن يسروا يغلوا
وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل
على مكتريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم ... مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل
وإن قام فيهم حامل قال قاعد ... رشدت، فلا غرم عليك ولا خذل
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم ... فلم يفعلوا، ولم يليموا، ولم يألوا
فما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في مناتها النخل
- ٣ - وقال يمدح خصن بن حذيفة بن بدر:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرى أفراس الصبا ورواحله
وأقصرت عما تعلمين وسددت ... علي سوى قصد السبيل معادله
وقال العذارى إنما أنت عمنا ... وكان الشباب كالخليط زايله
فأصبحت ما يعرفن إلا خليفتي ... وإلا سواد الرأس والشيب شامله
لمن طلل كالوحي عاف منازله ... عفا الرس منه فالرسيس فعاقله
فرقد فصارات فأكناف منعج ... فشرقي سلمى: حوضه فأجاوله
فوادي البدي فالطوي فنادق ... فوادي القنان: جزعه فأفاكله
وغيث من الوسمي حو تلاعه ... أجابت روابيه النجا وهواطله
هبطت بممسود النواشر سابح ... ممر أسيل الخد نهد مراكله
تميم فلوناه فأكمل صنعه ... فتم وعزته يداه وكاهله
أمين شظاه لم يخرق صفاقة ... بمنقبة ولم تقطع أباجله
1 / 49