عندما ربط بروميثيوس بالسلاسل إلى صخرة في القوقاز، وجد تعزية واحدة أدخلت السرور على نفسه، وهي أن واحدا من نسل جوف نفسه سيأتي ويخلصه من قيوده. وهذه الحادثة التي قررتها الأقدار تحققت في الوقت المناسب، عندما أبصره هرقل أثناء قيامه بإحدى رحلاته، فامتلأت نفسه إشفاقا على هذا التيتان الذي قاسى مثل هذا العذاب؛ بسبب خدمته للبشر. وصمم على قتل الطائر الجارح الذي كان يتغذى بلحم بروميثيوس. فنفذ ما أراده، وخلص واهب النار البشر من سلاسله. وفي رحلة أخرى التحم هرقل مع أنتايوس أحد أولاد نبتيون؛ إذ تحداه في القتال، فوجد هرقل أنه في كل مرة يطرح خصمه أرضا، ينهض هذا وقد تضاعفت قوته بعد الاتصال بالأم الأرض. وعلى ذلك رفعه هرقل في الهواء، وظل يخنقه حتى أخضعه.
تزوج هرقل ديانيرا ابنة أوينيوس، وشقيقة ملياجر، تلك التي جاءه الموت عن طريقها. فذات مرة وصل هرقل وديانيرا إلى مخاضة نهر، حيث كان القنطور نيسوس ينقل الناس خلالها نظير أجر. وكان بوسع هرقل نفسه أن يعبر ذلك المجرى بغير عناء، أما ديانيرا فجعل نيسوس يحملها فوق ظهره ليعبر بها النهر. وكانت ديانيرا ذات جمال بارع، فلما أبصرها نيسوس بدلا من أن يحملها إلى الضفة الأخرى للنهر، استدار بها واتجه نحو المغارة التي كان يعيش فيها، فأمسك هرقل قوسه، وهو واقف على الضفة الأخرى. وأطلق منها سهما اخترق قلب نيسوس، وبينما هذا الأخير يلفظ آخر أنفاسه، همس إلى ديانيرا، وأخبرها بأن دمه تعويذة سحرية للحب، تساعدها على الاحتفاظ بحب زوجها لها.
صدقت ديانيرا نيسوس بغباء. وذات مرة عندما تأججت نار الغيرة في فؤادها؛ إذ لاحظت اهتمام هرقل بفتاة أسيرة، فغمست ثوبا سيلبسه هرقل في دم نيسوس الذي كانت تحتفظ به لوقت الحاجة. غير أن ذلك الدم كان في الحقيقة سما قاتلا. فلما ارتدى البطل ذلك الثوب، امتد شره إلى لحمه؛ إذ التصق الثوب بجسمه، وظل يذيب لحمه مسببا له آلاما مبرحة قاتلة . وعبثا حاول هرقل أن ينزع الثوب عن جسده، فصعد إلى جبل وجمع كومة من الأخشاب، ورقد فوقها لتكون كومته الجنائزية. ثم أمر بإشعال النار فيها، إلا أن جوبيتر تدخل في اللحظة الأخيرة. فخطفه إلى أوليمبوس، حيث تصالح مع جونو، فأعطته ابنتها هيبي ليتزوجها.
الباب الثاني عشر
البحث عن الجزة الذهبية
كيف بحث جاسون عن مملكته
يحكى أنه كان في أيولكوس بتساليا، ملك يدعى أيسون سئم الحكم، غير أن ابنه جاسون كان لا يزال صغيرا، ولا يمكن أن يلبس التاج، وعلى ذلك عين أيسون أخاه غير الشقيق بيلياس نائبا للملك، على شرط أن يسلم مقاليد الحكم إلى جاسون عندما يبلغ هذا الغلام سن الرشد. وفي تلك الأثناء عهد أيسون بتعليم ابنه جاسون إلى القنطور خيرون، وانسحب هو إلى قرية بعيدة.
مرت الأيام وتعاقبت السنون، ونمت سلطة بيلياس، ولم يعبأ بوعده لأخيه أيسون ولا بالصبي جاسون، واعتبر نفسه ملك أيولكس، وكذلك اعتبره جيش أتباعه. لم يحسن بيلياس سياسة الحكم، فانتابته الشكوك في بعض الأوقات، ولكي يطمئن على حكمه، ويريح باله مما يساوره من قلق، عزم على أن يستشير وحيا، فتلقى هذا الرد الغريب: «لا تخش إلا رجلا يلبس فردة حذاء واحدة!»
حار بيلياس في تفسير هذا الرد، ولكنه قرر أن ينتظر، ويرى ما سوف يتمخض عنه المستقبل. وتصادف في أحد الأعياد العظمى لنبتيون، أن أرسل بيلياس الدعوة إلى كل فرد في جميع أنحاء البلاد؛ ليشترك في ذلك العيد. وفي نفس الوقت الذي كانت تقوم فيه الاستعدادات لهذا العيد، كان جاسون قد صار شابا يافعا عظيم القوة والمهارة، فعزم عن أن يطالب عمه بالعرش الذي هو من حقه. فسار إليه مرتحلا عدة أيام، وقبل أن يصل على أيولكوس، أبصر أمامه مجرى ماء يتدفق تيار الماء فيه بسرعة خطرة.
لم يتطرق الخوف إلى نفس جاسون، بل أخذ يعبر ذلك المجرى. وعندما قارب الوصول إلى الضفة الأخرى، اصطدمت قدمه بصخرة نانئة في قاع المجرى، فحاول تخليص قدمه منها، ولكنه عندما وصل إلى اليابسة وجد أنه فقد فردة حذاء تحت الماء. فهز كتفيه واستمر في سيره إلى المدينة دون أن يتوقف؛ ليحصل على فردة حذاء أخرى.
صفحة غير معروفة