الاستبدادان
إبراهيم بن عمر السكران
السبت٢٥جمادى الآخرة١٤٣٢هـ
الحمد لله وبعد،،
نحن نردد دومًا كلمة " الاستبداد "، ونرميها بكل عبارات الذم والقدح والعيب، لكن هل تساءلنا قبل ذلك: ما هو الاستبداد؟
الاستبداد في معناه العام هو الخضوع لسلطة غير موضوعية، ويزيد الأمر أحيانًا إلى محاولة خلق المستندات والحيثيات التي تبرر إكراهات هذه الاستبداد.
وبناءً على ذلك فالاستبداد في حقيقته ليس نوعًا واحدًا كما يتصور الكثيرون، بل هو على مستويين: استبداد داخلي، واستبداد خارجي، ولكل نوعٍ من نوعي الاستبداد ضحاياه.
فضحايا (الاستبداد الداخلي) يغالون في مفهوم طاعة ولاة الأمور فوق القدر الشرعي المأمور به، وينفرون من الاحتساب على الولاة والحكام، ويميلون للتفهم الشرعي لكل أمر يأمر به المسؤولون، ويبحثون في النصوص الشرعية أو التراث الإسلامي لتبرير وتسويغ أوامر المستبد، حتى لو كان بنوع من التطويع، ويتحدثون عن المستبد الداخلي بعبارات الانبهار والتفخيم مثل: طويل العمر، وحبيبنا المفدى، وسيدي فلان، ونحو ذلك، وكل ذلك نتيجة (انهيارهم النفسي) أمام نفوذ المستبد الداخلي.
وضحايا (الاستبداد الخارجي) يميلون للتفهم الشرعي قدر الإمكان لثقافة الغرب المنتصر في السياسة والاجتماع والحكم، ويبحثون في النصوص الشرعية أو التراث الإسلامي لتبرير وتسويغ مفاهيم الثقافة الغربية، حتى لو كان بنوع من التطويع، ويتحدثون عن المستبد الخارجي بعبارات الانبهار والتفخيم مثل: المعجزة الغربية، الحضارة الغربية، ونحو ذلك، وكل ذلك نتيجة (انهيارهم النفسي) أمام نفوذ المستبد الخارجي.
وتجد ضحايا (المستبد الداخلي) لو قلت لهم أنتم تميلون لتطويع النصوص والتراث لأوامر المستبد الداخي؛ لغضبوا عليك، ورأوك جائرًا ظالمًا في الحكم والتقييم، ويرددون لك بأنهم لديهم نصوص وهم أقرب للشريعة منك.
وهكذا أيضًا: تجد ضحايا (المستبد الخارجي) لو قلت لهم أنتم تميلون لتطويع النصوص والتراث لثقافة المستبد الخارجي؛ لغضبوا عليك، ورأوك جائرًا ظالمًا في الحكم والتقييم، ويرددون لك بأنهم لديهم نصوص وهم أقرب للشريعة منك.
لكن لو تساءلنا: ما هي الآلية الداخلية التي يتم من خلالها تطويع النصوص الشرعية لأفكار المستبد، سواءً المستبد الداخلي أو المستبد الخارجي؟
الواقع أن الأمر يتم على هذه الصورة: تجد كثيرًا من النصوص الشرعية تحتمل عدة دلالات نتيجة طبيعة بنيتها اللغوية (وهي قضية دلالية/سيميولوجية)، وعلماء المسلمين يتعاملون مع هذه الاحتمالات الدلالية بـ (منهج علمي) لتحديد الدلالة التي تعبر عن مراد الله، هذا هو المسار الطبيعي للعالم المستقل المتحرر من نوعي الاستبداد، أما الخانع لأحد نوعي الاستبداد فإنه لا يرجِّح بين هذه الاحتمالات الدلالية بمنهج علمي، وإنما ينتقي من هذه الدلالات ما يتوافق مع اتجاه المستبد الذي يخضع له، سواءً كان مستبدًا داخيًا أو خارجيًا، فصار المرجح في الاحتمالات الدلالية للنصوص ليس (المنهج العلمي) وإنما (هوى المستبد) الداخلي أو الخارجي.
والخنوع للمستبد الداخلي يكثر عند بعض المنتسبين للسلفية ممن يسميهم السلفيون "أدعياء السلفية"، بينما الخنوع للمستبد الخارجي يكثر عند بعض المنتسبين للثقافة المعاصرة.
1 / 222