الفن الواقع والمأمول - قصص توبة الفنانين والفنانات

خالد الجريسي ت. غير معلوم

الفن الواقع والمأمول - قصص توبة الفنانين والفنانات

تصانيف

الفن الواقع والمأمول تأليف د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي تقديم العلامة الشيخ ... العلامة الشيخ د. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ... عبد الله بن سليمان المنيع

صفحة غير معروفة

تقديم فضيلة العلاّمة الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ﵀ الحمد لله رب العالمين الذي بدأ خَلْق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سُلالة من ماء مَهين، وابتلاه في هذه الدنيا وسلَّط عليه الشياطين، وتوعَّده على المعصية بالعذاب المُهين، ووعد من أطاعه بالحياة الطيبة والرزق والتمكين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فقد روي في بعض الآثار ما فيه: إن لهذا الدين إقبالًا وإدبارًا، وإن من إقباله أن تفقه القبيلة بأسرها فلا يبقى فيها إلا المنافق والمنافقان، فهما مقموعان ذليلان، إن تكلَّما قُمِعا وطردا واضطهدا، وإن من إدباره أن تجفوَ القبيلة بأسرها فلا يبقى فيها إلا الفقيه والفقيهان، فهما ذليلان حقيران، إذا تكلَّما قُمعا وطردا واضطهدا، وثبت في صحيح مسلم قولُ النبيِّ ﷺ «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطُوبى للغرباء»، وفسرهم بأنهم النُّزَّاع من القبائل الذين يصلحون عند فساد الناس، والذين يَفِرُّون بدينهم من الفتن، وقد تحققت غربة الدين في كثير من الدول الإسلامية، ولعبت بهم الأمواج من الفتن والدعايات المُضِلَّة، وكان من جملة ما زيَّنه الشيطان لأوليائه أنْ حبَّب إليهم الأغاني والملاهي واللعب والطرب، وصدَّهم بذلك عن دينهم، وزهَّدهم في كلام ربهم، فشغلوا بذلك جُلَّ أوقاتهم، وأَكبُّوا على السماع والطرب، والتلذُّذ بأصوات الفنانين

1 / 5

والفنانات، وأصبح ذلك شغلهم الشاغل، وحديث مجالسهم، ولقد أحسن الدكتور خالد بن عبد الرحمن بن علي الجريسي، الذي ألَّف هذا الكتاب، واستوفى كل أو جُلَّ ما يتعلق به أصحاب الفن واللهو والغناء والسماع، فذكر نشأة هذا الفن التمثيلي، وأثرَه في الناشئة، وآثار الفن الكرتوني وقصة البوكيمون وكرتون الحب والغرام، وذكر الفن التمثيلي والمرأة، والفن التمثيلي وترسيخ المفاهيم، وتوسَّع في دور الإعلام في ترويج الفن، وذكر اهتمام الإعلاميين بذلك، ونشره لأخبارهم في الإعلام المسموع، والمرئي، والمقروء، وذكر نهاية كثير من أهل الفن وكيف قضَوا حياتهم في ضياع وحسرة وخاتمة سيئة، وعرض بمن تاب منهم وخُتِم له بخاتمة حسنة، وذكر أمثلة من فتاوى العلماء في هذا الموضوع، وبذلك أصبح هذا الكتاب مرجعًا هامًا ومفيدًا في التعريف بآثار أولئك الفنانين والفنانات، والمطربين والمغنين، فجزاه الله أحسن الجزاء، وأعظم له الثواب، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ٢٨/٧/١٤٢٦هـ.

1 / 6

تقديم فضيلة العلاّمة الدكتور عبد الله بن سليمان المنيع ... حفظه الله الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أحمده وأشكره وأثني عليه بما هو أهلُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وقدوتُنا في أقوالنا وأعمالنا ومعتقداتنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد. فلقد سعدت بقراءة المؤلَّف القيِّم «الفن» لمؤلفه الأستاذ الفاضل / خالد بن عبد الرحمن الجريسي، وظهر لي فيه مدى قدرة المؤلف على التحليل والتدليل والعمق في التصور والتمكن من التصوير لأي شكل من أشكال الفن التمثيلي، فلقد استهل مؤلفه بالآثار الإيجابية للتمثيل من حيث التربية على مكارم الأخلاق، والتحلي بالمُثُل الإسلامية من حيث التأسي والاستجابة لدواعي الاستقامة والصلاح، كما تحدث عن الآثار السلبية للتمثيل من حيث التأثير على الفطرة الربانية بالانحراف وبالتأثر، ثم الأخذ بمقتضيات ذلك الانحراف في الاعتقاد والسلوك، والتخلق بصفات أهل الفسق والفجور والعصيان. وقد جاء في الكتاب أن التمثيل سلاح مزدوج، فهو سلاح ذوحدين إن استعمل في حد الخير والصلاح أنتج ذلك الاستخدام ما تنتجه وسائل البناء والتأسيس والتأصيل في صروح الخير والرشاد، وإن استعمل في حد الشر أنتج ذلك ما تنتجه وسائل الهدم والفساد

1 / 7

والخراب من إيجاد شروخ في بناء المجتمع يكون من آثارها الفوضى في المجتمع وزعزعة الاعتقاد والتأثير في الأخلاق بما يهوِّن من شأنها ويزلزل الثقة بها وباعتبارها. وختم المؤلف كتابه القيِّم بمجموعة من الفتاوى تتعلق بحكم أنواع من التمثيل، وأكد أن للتمثيل أثرًا كبيرًا في الأخذ بمقتضياته، وحذر من تمثيل تكون آثاره وبالًا على المجتمع في دينه وخلقه وسلوكه وتقاليده واستقراره وانتمائه لعشيرته ومجتمعه وقيادته. وحقًا لقد سعدت بقراءة الكتاب؛ فأعجبني فيه سموّ موضوعه، وسلامة لغته، وسلاسة أسلوبه، وعمق التصور في الإحاطة بجوانبه، وقوة البيان في الإقناع بإيجابيات وسلبيات كل نوع من أنواع التمثيل، فجاء الكتاب جامعًا بين الترغيب والترهيب والتوجيه والتبصير، ووسطًا بين الإفراط والتفريط، يبيِّن الحق ويدل عليه ويظهر الباطل ويحذر منه، فجزى الله مؤلفه خير جزاء وجعل كتابه هذا حسنة كبرى من حسناته وجعله مباركًا أينما كان، والله المستعان. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه عضو هيئة كبار العلماء عبد الله بن سليمان المنيع ٢٤/٢/١٤٢٣هـ

1 / 8

المقدمة الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعدُ، أخي الكريم! فإن كلمة الفن متى أُطلقت فإنها تشمل موضوعات شتى، إذ يدخل تحت هذا اللفظ الفنونُ بأنواعها كافّة؛ الفنُّ الأدبي، والفنُّ التشكيلي، والفنُّ المعماري، والفنُّ الغنائي، والفنُّ التمثيلي، وغيرُ ذلك من الفنون المتنوعة، وكلٌّ منها فنٌّ قائم بذاته، وإن كان مشتركًا مع غيره في بعض النواحي الإبداعية، ولئلا يتشعب بنا الحديث كثيرًا، فإننا سنجعل دراستنا المسمّاة: «الفن» مقتصرة على جانبٍ واحد من جوانبه، ألا وهو الفنُّ التمثيلي، سواء ما يعرض منه على منصات المسرح، أو على عاكسات دُور السينما أو في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، كالمذياع (الرادّ أو الراديو)، والتلفاز، أو ما يقدَّم للأطفال في قالب عروض كرتونية، ومع اقتصارنا على ذلك، فقد نستطرد أحيانًا فنتعرض لبعض أنواع الفن الأخرى، وذلك على سبيل المداخلة لا البحث، مع اعتقادنا باستحقاق دراسة تلك الفنون بأكملها دراسة وافية. ولا شك بأن أهمية هذا الموضوع تنبع من كونه ملامسًا لحياتنا اليومية على قدر كبير، لا محيد عنه ولا مناص، فمع إطلالة خيوط الفجر الأولى وإشراقته الندية تهرع جحافل وسائل الإعلام لتمارس نشاطها المحموم، فتغزو عالمَ الإنسان وتقتحم عليه عزلته الذاتية، التي فرضها على نفسه بالنوم، وذلك لتروّج لديه بضاعتها من الأفلام

1 / 9

والمسلسلات والتمثيليات، ولكي تستحوذ على عقول أطفالنا وقلوبهم، بما تقدمه لهم من برامجَ مرغِّبةٍ منوَّعة. فالفن التمثيلي إذًا يمارس دورًا مهمًا خطيرًا في تغيير قناعات المشاهدين واهتماماتهم، العامة والخاصة، لذا فهو متهم من وجهة نظرنا بقضايا عدة، متهم ابتداءً بتقصيره الذريع في القيام بالواجب المَنوط به تجاه الأمة، دينِها وفكرِ شبابها.. وبالمقابل فهو متهم بفتح كل أبوابه، وإطلاق كل أبواقه، وتسخير كل إمكاناته للترويج للفكر الغربي بدلًا من التصدي له، وهو متهم كذلك بصرف همم الشباب وتحويل اهتماماتهم المفترضة - كالالتفاف حول العقيدة، والانتصار للدين، والاندفاع نحو خدمة الأمة - تحويلها إلى الاهتمام بالمظاهر الدنيوية، والانغماس في الشهوات البدنية، والانبهار بالأضواء، والتمسك بالقشور وسفساف الأمور، حتى غدا الشاب وهو في مقتبل عمره يتطلع إلى إحراز البطولة، أو إبراز الذات، أو تحقيق النجاح، لا من خلال الأعمال الإيجابية البنّاءة وإنما من خلال تنفيذ مواقف تافهة أو مغامرات متهوِّرةٍ أملاها عليه مشهد سينمائي أو تمثيلية أو مسرحية. ومن هنا كانت لنا وَقفات تأمل، مع هذا الفن التمثيلي على وجه خاص، نتلمس من خلالها آثاره وأضراره الاجتماعية، مع إلحاق الحكم عليه، وبيان موقف الإسلام منه، لبعض أهل العلم الأجلاّء، جزاهم الله خيرًا. وقد تم تقسيم موضوعات الكتاب إلى ثمانية فصول، هي: الفصل الأول: الفنُّ التمثيلي: المفهوم والنشأة. الفصل الثاني: الفنُّ التمثيلي وأثره في الناشئة.

1 / 10

الفصل الثالث: الفنُّ التمثيلي والمرأة. الفصل الرابع: الفنُُُّ التمثيلي وترسيخ المفاهيم. الفصل الخامس: دور الإعلام في ترويج الفنّ. الفصل السادس: صور من حياة أهل الفنّ. الفصل السابع: توبة واعتراف وندم. الخاتمة: التي ضمَّنْتها بعضَ التوصيات. الملحق: وفيه نخبة مختارة من فتاوى العلماء. هذا، وقد تم - بحمد الله - عزو النصوص إلى مصادرها التي استقيتها منها، كما دعّمت البحث بالنقل عن بعض صحف ومجلاتٍ مهتمة بشؤون أهل الفن، تنقل أخبارهم وأقوالهم، (من فمك أُدينك)، وذلك حرصًا مني على الإنصاف والموضوعية، سائلًا الله ﷿ أن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يرزقنا وإياكم الاستقامة على الحق، إنه سميع مجيب، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم. د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي.

1 / 11

الفصل الأول الفن التمثيلي المفهوم والنشأة يحسن بنا قبل الحديث عن الفنِّ التمثيلي أن نعرض لتعريف مصطلح "الفنّ" عند أهل اللغة وفي التعبير الاصطلاحي. فالفنّ في أصل اللغة: هو واحد فنون، وهي: الأنواع، والأفانين: الأساليب، وهي: أجناس الكلام وطرقه، ورجل متفنِّن، أي: ذو فنون (١) . ورجل مِفَنّ: يأتي بالعجائب، وافتنّ: أخذ في فنون من القول، والتفنين: التخليط، والفن: الطرد والعناء والإعياء والمَطْل والغَبْن، ويقال: فنّنَ فلانٌ رأيه إذا لوّنه ولم يثبت على رأي واحد (٢) . هذا في اللغة، أما في الاصطلاح: فقد صرفت كلمة (الفنّ) للدلالة على: كل عمل إنساني يتطلب إنجازه مهارة خاصّة، ويقتضي حِذْقًا معيّنًا ودِرْبة متميزة، لارتباط لفظ الفن من بعض وجوه اللغة بهذا المعنى (٣) . كما قيل أيضًا فنّ الصحافة، وفنّ الإعلام، وفنّ الإذاعة، وغيرها مما يكون على هذا النحو. ومن استعمالاته اصطلاحًا تسمية الإنتاج الصناعي فنًا: وذلك

(١) مختار الصحاح، مادة (فنن)، محمد بن أبي بكر الرازي، المركز العربي للثقافة والفنون، بيروت، ص ٣٧٧. (٢) لسان العرب، مادة (فنن)، ابن منظور، ٥/٣٤٧٦. (٣) انظر: حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية، صالح بن أحمد الغزالي، دار الوطن، الرياض، ١٤١٧هـ، ص ٢٩.

1 / 15

لاقتضائه مهارة في الصنع، وحِذقًا في الممارسة، ودِرْبة خاصة في كل نوع من أنواعه، فالخياطة فنٌّ بهذا المعنى، وكذلك النّجارة، والحِدادة، والزّراعة، وسائر ألوان الحِرَف والصناعات بلا استثناء. " (١) . وفي التعبير المشهور لكلمة (الفن)، " فقد أطلقت الكلمة على الفنون التعبيرية واستأثرت بها دون سواها عند الإطلاق، مثل فنون الشّعر والغناء والموسيقا والتصوير والرقص، وذلك لارتباطها في الأصل بعنصر الجمال دون الغايات النفعية"، (٢) حيث جاء في المعجم المفصّل: "إن الفنون الإبداعية قد أمسَتْ وحدها في لغة الفكر تستأثر بمصطلح الفن، لأهدافها المعنوية، وغايتها الجمالية السامية " (٣) . وقد شاع أيضًا اصطلاحًا أن الفن هو: "التعبير الذي يُتَّخذ مادة وسيطة كي يعبّر الفنان بوساطتها عن انفعالاته الجمالية، سواء لما يشاهده في الطبيعة أو لما يراه في الخيال، بعين الفكر، كي ينقله إلى الآخرين " (٤) فإذا وصل الفنّان إلى غايته بمادة اللّغة كان شعرًا، ومتى اتخذ الأنغام مادةً له كان موسيقى، أو جمع بينهما كان غناءً، وحين يسعى للتعبير بمادة الخطوط والألوان كان رسمًا، وإذا كانت

(١) المعجم المفصّل في اللغة والأدب، إميل بديع يعقوب وميشال عاصي، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٧م، ص ٩٥٦. (٢) حكم ممارسة الفن، صالح الغزالي، مرجع سابق ص ٢٩. (٣) المعجم المفصل في اللغة والأدب، إميل بديع يعقوب وميشال عاصي، مرجع سابق، ص ٩٥٦. (٤) الأصول الجمالية للفن الحديث، حسن محمد حسن، دار الفكر العربي، ص١٤٥-١٤٦.

1 / 16

مادته مما يتجسم في أشكال وأحجام كان الفن نَحْتًا وعمارة، ومتى كانت الحركات محاكاة وتقليدًا كان الفن تمثيلًا (١) . وما يهمنا هنا - على وجه الخصوص- هو: المحاكاة والتقليد للتعبير عن انفعالات ما، وهو ما يسمى بالتمثيل. فما هو التمثيل؟ التمثيل لغةً: (مِثْلُ) كلمة تسوية، يقال: هذا مِثْلُه ومَثَلُه كما يقال: شِبْهُهُ وشَبَهُهُ بمعنىً. ومثَّل له الشيء: صوّره حتى كأنه ينظر إليه، ومثّلت له كذا تمثيلًا إذا صوّرت له مثاله بكتابة وغيرها. ومثَّل الشيء بالشيء: سوّاه وشبّهه به (٢) . هذا عن التمثيل في اللغة، أما في الاصطلاح فقد عرّف به كثير من الأدباء والمفكّرين بتعريفاتٍ عدةٍ استغرقت كل جوانب العملية التمثيلية من بدايتها حتى نهايتها، فعرّفه الأستاذ أحمد الزيات بقوله: "هو تمثيل طائفة من الناس لحادث متحقَّق أو متخيَّل، لا يخرج عن حدود الحقيقة أو الإمكان" (٣) . وعرّفه صاحب المعجم الأدبي بأنه "أداء الأدوار المسرحية التشخيصية "، (٤) كما عرّفه عبد السلام آل عبد الكريم بأنه " محاكاة شخص لآخر حقيقي أو خيالي قصدًا ". ثمّ عرّف الممثل بأنه "القائم بأعمال

(١) انظر: المعجم المفصّل في اللغة والأدب، إميل بديع يعقوب وميشال عاصي، مرجع سابق، ص ٩٥٧. والأصول الجمالية للفن الحديث، حسن محمد حسن، مرجع سابق، ص ١٤٦. (٢) لسان العرب، ابن منظور، مادة (مثل) مرجع سابق، ج٦ ص ٤١٣٢، ٤١٣٥. (٣) حكم ممارسة الفن صالح الغزالي، مرجع سابق، ص ٢٨٦. (٤) المعجم الأدبي، جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، ط٢، ١٩٨٤م، ص٧٨.

1 / 17

التمثيل أمام الجمهور" (١) . ومن خلال استقراء التعريفات السابقة للتمثيل يتبين لنا أنه يقوم على مجموعة من الأمور، هي: (١) وجود قصة ولو قصيرة، أو حادثٍ يمكن محاكاته، سواء أكان واقعًا أم متخيَّلًا. (٢) وجود من يمثّل الواقعة وهم الذين يُسمّون بالممثلين، وهم طائفة اختارت التمثيل هواية أو حرفة. (٣) وجود قواعد فنية يلتزم بها أهل التمثيل. (٤) القصد من التمثيل: التأثير. هذا هو التمثيل اصطلاحًا، فما جذوره التاريخية، وما موضع نشأته؟ "تمتد جذور التمثيل إلى العصر الإغريقي، وتعاليم الكنيسة النصرانية القديمة - قبل الإسلام -، كما صرح بذلك جماعة من علماء الأدب" (٢) . "وفي أيام الدولة العباسية لم يترك العرب علمًا من العلوم اليونانية إلا نقلوه، واطلعوا عليه، واشتغلوا به؛ ما خلا الأدب، فإنهم استغنَوْا بما لديهم، فلم تصل إليهم ملاحم اليونان، ولا قصصهم التمثيلية " (٣) .

(١) إيقاف النبيل على حكم التمثيل عبد السلام آل عبد الكريم، دار العاصمة، الرياض، ١٤١١هـ، ص١٠. (٢) المرجع السابق، ص ١٠. (٣) أدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث، بطرس البستاني، دار صادر، بيروت، ط ٣، ص٣٠٨-٣١٠.

1 / 18

"فلم يعرف المسلمون هذا العمل منذ قيام دعوة نبينا محمد ﷺ حتى قبل خمسين ومائة عام- تقريبًا- يوم انفتح الشرقيون على علوم الغرب وحضارته وثقافته، عندئذ اكتسبوا هذا العمل منهم، وتعلموا أصوله وقواعده في مدارسهم، ثم نقلوه إلى بلادهم الإسلامية ليكون نواة لما نشاهده الآن من تمثيليات دينية وغير دينية" (١) . فالتمثيل بمعناه الحديث لم تعرفه اللغة العربية إلا في أواسط القرن الماضي. وكان اللبنانيون أسبق الشرقيين إلى اقتباسه، لتخرُّجِهم في المدارس الأجنبية، ودراستِهم للآداب الفرنجية (٢) . ونظرًا لحداثة الأمر بالنسبة للمسلمين فقد تباينت الآراء حول التمثيل وموقف الإسلام منه، ولا أود الخوض في هذا الجانب فليس يتسع المقام لذلك، وقد خصصت ملحقًا له، إلا أن هذا لا يمنعنا من الحديث عن أهداف الفن، وتلمّس الجوانب الإيجابية فيه، ونحن عندما نتكلم عن أهداف الفن فإننا نقصد الفنّ التمثيلي الجائز المؤسَّس على أقوال العلماء الثقات واستنباطاتهم، فيمكن - والحال هذه - أن تكون لهذا النوع من الفن أهداف سامية نابعة من واقع الأمة الإسلامية وضروراتها في التربية والتوعية ومعالجة مشكلات الواقع. الأهداف السامية للفن: ولعلّنا نُجمِل أهم تلك الأهداف - من وجهة نظرنا - فيما يلي: ١- تربية الناشئة: وهذا هدف في مُقدَّم أهداف الفن، لما للناشئة من أهمية في

(١) إيقاف النبيل على حكم التمثيل، عبد السلام آل عبد الكريم، مرجع سابق، ص١٥. (٢) تاريخ الأدب، أحمد حسن الزيات، دار الرسالة، بيروت، ١٣٧٤هـ، ص ٤٢٧.

1 / 19

المجتمع المسلم، ولما تحتاجه هذه التربية النافعة إلى معالجات نصيّة جادّة لتنمية عقول الناشئة، والأخذ بأيديهم إلى التمسك بتعاليم الدين الحنيف والخُلق الكريم، وذلك بعيدًا عن الخيال المريض الذي قد يولّد الانحراف، وبعيدًا كذلك عن النظرة السلبية للكون والحياة والإنسان. ٢- حماية المجتمع المسلم: إن حماية المجتمع ترتكز على التوعية الإيمانية والعلمية، وذلك من خلال تبصير المجتمعات الإسلامية بالأخطار التي تهدّد الأمة أفرادًا وجماعات، ومن المسلَّم به أن هذه الأخطار باتت متنوعة، فمنها الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو السياسي، أو الأخلاقي، أو الديني، وهي تتفاوت جميعًا في أهميتها، إلا أن الدين يعدّ - بحق- العامل الأهم في ذلك كله، وهو الفيصل في المعركة بين الخير والشر، ومن هنا ندرك قيمة التحصين الديني والخُلقي لحماية كل فرد من أفراد الأمة. وعندما يقوم الفن الملتزم بدور الوقاية نلحظ عند ذلك تدرّج الأمة في سلّم الاستقرار والتميز. ٣- عرض قضايا الأمة الإسلامية: فالأمة الإسلامية تحمل قضايا ثقيلة في الميزان الحضاري والتاريخي، وإذا لم يؤدّ الفن - بمفهومه العام - رسالته في توعية الأمة ولفت نظرها نحو مشكلاتها وتشخيص أسبابها، ومن ثَمّ وضع حلول ناجعةٍ لها، والاهتمام بتوجيه الطاقات، بكل دِقّة وأمانة، فسيكون عندئذ - ولا ريب - أحد عوائق تقدّم الأمة وتراجعها، وبالمقابل فعندما ينهض الفن المنضبط بقضايا الأمة الإسلامية، ويبصّرها بمصيرها من خلال عرض جادٍّ لقضاياها المصيرية، يكون

1 / 20

الفن حينئذٍ ذا شأوٍ عظيم حقًا في عملية النهوض بالأمة. ٤- غرس القيم النبيلة: تُعدّ القيم المعنوية الإسلامية، والمؤثرة في السلوك الإنساني، أساسًا في بناء الشخصية الإسلامية، فبها يدرك المسلم ما له من حقوق وما يترتب عليه من واجبات تجاه نفسه وتجاه الآخرين، وما التزم قوم بهذه القيم الحميدة إلا عاشوا في حياة طيبة، فهي المؤسِّسة لآفاق الترابط والتعاون بين الأفراد والشعوب، وهنا تكمن أهمية دور الفن الأصيل في غرس تلك القيم، كما دوره المتميز في عطاءاته المتنوعة المستمرة بما يجعل المجتمع المسلم مجتمعًا متمثِّلًا للقيم الحضارية، متمتعًا بدور رياديٍّ بين المجتمعات الإنسانية. ٥- بناء المشاعر الإنسانية: يخالج النفس الإنسانية الكثيرُ من المشاعر والأحاسيس النابعة من معتقدات ومبادئ مختلفة، يتولد عنها سلوكيات ترسم شخصية هذا الإنسان أو ذاك، حيث إن مساحة المشاعر الإنسانية تحتل حيزًا مهمًا في مجال التأثير الموجِّه لنجْدَي الخير والشر، لذلك كان لا بد من أن تبنى هذه المشاعر على نور من دين إلهي محفوظ عن التحريف وهو: الإسلام، الذي يلقي الضوء دائمًا على هذه المشاعر والتوجهات، الحق والباطل، الخير والشر، الرحمة والقسوة، الحب والكره، العدل والظلم، الشجاعة والجبن، لتكون مشاعر المسلم دائمًا موجَّهة للصدق، مهذبة، ومنبثقة من معتقدات ومبادئ متينة ثابتة. وعلى الفن التمثيلي بخاصةٍ، والفن بعامةٍ أن يؤدي رسالته هذه

1 / 21

وأن يُسهم إسهامًا فاعلًا في تهذيب المشاعر الإنسانية، والرقيّ بها مستهديًا بتعاليم ديننا الحنيف. ٦ - المعالجة العملية للقضايا الاجتماعية: إن مما يورث الحسرة في النفس، تضافر الأعمال الفنية المعاصرة على مغايرة الحلول الناجعة للقضايا الملِحّة التي تُطرح واقعًا في المجتمعات، فنراها تحضّ على اتخاذ الخليلة عند خوف الشقاق بين الزوجين، بدل الإصلاح أو الطلاق، وتصوِّر الطلاق على أنه إن لم يكن محرمًا فقد قارب ذلك، وكذلك توهم الشاب أن الزواج يكاد يكون مستحيل التحقق نظرًا لغلاء المهر، والمؤونة الباهظة للإقدام عليه، بدءًا بهدية الخطوبة - الشبكة - وانتهاء بتعليم الأولاد في الجامعات والتزام تجهيز البنات، وذلك بدلًا من الحث على التقليل من المهر، والتيسير في النفقات المترتبة على الزواج، هذا ناهيك عن تصوير الرشوة والمحسوبية للتوظيف على أنها حتمية للحصول على الحقوق المكتسبة، والإيهام بأن الطريق الأوحد لتحصيل الثروات الطائلة لا بد أن يمر عبر المحرمات؛ كالتهريب والغش ونشر الرذيلة، فالجميع في هذه الأعمال الفنية يريد أن يعيش مترفًا، فلا يوجد ألبتة من يقنع بما قسمه الله له من رزق، فالفقر- غالبًا- معيب عند كُتّاب هذه الأعمال، والشباب عندهم في تيه فاق (تيه بني إسرائيل) ! فلا شغل لديهم إلا النادي والسهرات والحفلات والرقص، والهزء المستمر بالجيل القديم المتشدد الذي لم يدرك بعدُ بأن الدنيا قد تطورت، وبأن الجيل الجديد هو الذي يفقه الحياة، ويعرف كيف يتمتع بها، فالحياة قد تطورت عندهم، لكن تطوّرها صائر دومًا إلى الفساد!! وهكذا يمر جيل بعد جيل

1 / 22

ليعيب كلٌ سابقَه، وبذا يبقى الإفساد مستمرًا نظرًا للمتغيرات الاجتماعية والحضارية بزعمهم، ولا يخفى على الأريب من أمثالك - أخي القارئ - ما لهذا التوجّه من أثر بالغ في ترسيخ مفهوم نظرية النشوء والارتقاء وأن البقاء للأصلح، فالدنيا في تطور مستمر، فليس يهمّ إن كان التغيير نحو الأسوأ، ولكن المهم هو ديمومة التغيير!! هذا، وسوف أبيّن في طيات بحثي سمات الفن المعاصر وما يقدمه للمجتمع، من ناحية الموضوع، وطريقة العرض، والأسلوب، وقبل الخوض في ذلك كله، كان لا بد من التساؤل عن خلفيات هذا الفن، وأثره في فكر الناس وحياتهم، وعن القائمين عليه، من هم؟ وماذا يريدون؟ ومن الذي أسبغ عليهم لقب "فنانين"؟ وإلى أولئك الذين يوجّهون الفنّ المعاصر ويختطّون له وِجهته نطرح التساؤل التالي ونترسّم الإجابة عنه، متوسّمين بفِطنة القارئ الكريم: ما هي رسالة الفن المعاصر؟ أهي النهوض بالأمة، أم العمل على تدمير مُقوِّماتها الدينية وتقويض دعائم فضائلها؟!! ولعلك أخي الكريم، بقراءتك لفصول هذا الكتاب تخرج بإجابة جليّةٍ وواقعية، وذلك من خلال رصد نزيه متجرد، لواقع الفن التمثيلي المعاصر ولحال القائمين عليه. ****

1 / 23

الفصل الثاني الفن التمثيلي وأثره في الناشئة لقد أثبتت البرامج المعدّة للناشئة أن لها تأثيرات واضحة ومباشرة على سلوكياتهم، حيث إنهم سرعان ما تبهرهم المتغيرات من الصور، وبريق ألوانها، فتراهم قابعين، وكأن على رؤوسهم الطير، ساعاتٍ مديدة، أمام شاشات التلفزة أو الفيديو، يترقبون الأحداث، فتسلبهم كامل اهتمامهم وتفكيرهم، حتى بعد فترة المشاهدة، ومن ثمّ يتأثر سلوكهم بها - بطريق المحاكاة - سلبًا أو إيجابًا. ويعتقد بعضهم أن هذه البرامج قد تُزوّد الناشئة ببعض المعلومات القيّمة، وترقى بمستوى تفكيرهم، والواقع أن اعتقادهم هذا مستلهم من تأثرهم بالأفكار السائدة في الغرب، الذي لا تحكمه ضوابط اعتقادية ولا خلُقية، فما أكثر الدراسات التي تحاول أن تثبت - بشكلٍ أو بآخر- إيجابيات ما يقدّم من برامج للناشئة، " ففي ملخص تقرير الحكومة الأمريكية عام ١٩٨٢م الذي يتعلق بالتأثيرات المترتبة على مشاهدة البرامج، والذي كان بمثابة محصّلة لجهود ما يقارب خمسة وعشرين عالمًا وباحثًا، وقد تضمن التقرير ثلاثة آلاف بحث ودراسة داخل الولايات المتحدة، وبعضها الآخر في أوروبا، استنتج هذا التقرير أن مشاهدة برامج التلفاز تساعد في تنمية القدرة الذهنية على التخيل والابتكار كما أنه قدم لنا دليلًا أكيدًا على مقدرة هذه البرامج على غرس القيم الاجتماعية المفيدة في نفوس الناشئة،

1 / 27

وعلى تعويدهم السلوك الاجتماعي المرغوب" (١) وهذا لا يعني - بالضرورة - أن البرامج التلفازية ليس لها آثار سلبية على الناشئة على اختلاف معتقداتهم وبيئاتهم، وإن كان بعضهم قد يُرجع هذه السلبيات إلى الناشىء نفسه ... لحالته النفسية والفوارق الفردية بين الناشئة (٢) . هذا ما تراه الدراسات المذكورة آنفًا التي لا تنطبق أساسًا على بيئتنا الإسلامية، فالطفل في البيئة الغربية قد يشترك مع الطفل المسلم، في كونه طفلًا وبمشاعر الطفولة واحتياجاتها، إلا أنه يفترق عنه في بيئته الاجتماعية، ومبادئه الدينية والخلقية، وسُلَّم ترتيب القيم لديه، إلا أن البرامج كلها تؤثر - سلبًا أو إيجابًا - في الناشئة على اختلاف مستوياتهم الذهنية والفوارق الفردية والاجتماعية فيما بينهم، وذلك بحسب البرنامج المعروض، وتوجهاته، وخلفيات وضعه وأهداف عرضه. فالبرامج العربية - مثلًا- التي تُقدَّم للناشئة قد تحمل في طياتها توجهات فكرية واعتقادية - في بعض الأحيان - قد تستخفّ بعقلية الناشئ وما أودعه الله فيه من قدرات، حيث أصبح الترفيه هو الغاية، والرعب والخيال، والعنف والعدوان، والحب والجنس، هو محور تلك البرامج التي لا يتفق الكثير منها مع مبادئ التربية الإسلامية، بل إن بعضها الآخر لا يتفق والتصوّرات الإسلامية عن الإنسان والكون والحياة، ومنها أيضًا ما لا يرسّخ الولاء لله تعالى ولرسوله، ذلك-

(١) التلفزيون وتربية الطفل المسلم، مطابع الوفاء، المنصورة، عالية الخياط، ١٤١٠هـ، ص ١١. (٢) المرجع السابق، ص١١، بتصرف.

1 / 28

إن لم نقل- إنه قد يعارض ذلك. ولعل لهذا أسبابًا قد تكون مقنعة في ظاهرها، من ذلك: (١) أن القائمين على برامج الناشئة لم يدخلوا هذا المضمار ولم يركبوا هذا المركب الصعب إلا لتحقيق المكاسب الماديّة فقط، بغضّ النظر عن سلامة الأهداف والنتائج. (٢) أنهم لم يتفهّموا شخصية الناشئ، بما أودع الله فيه من إمكانات نفسية، وعقلية وسلوكية، فتراهم يقدمون في بعض الأحيان ما يسيء إليه، دون دراية منهم بذلك ولا خبرة. ويحسن الاستشهاد هنا بمقولة فريد التوني: «إذ نلحظ خلوها تقريبًا من الأهداف التربوية الإسلامية فهي لا ترمي إلا إلى التسلية والفكاهة، كألف ليلة وليلة، وحكايات السِّحر، وما شاكلها» (١) . فالشاطر حسن والإبريق المكسور وغيرهما كثير، كلها من الإنتاج العربي، ومع ذلك فإنها لم تعمق المفاهيم الإسلامية، وإنما تم الاكتفاء بعرضها على أنها تراث فيه ما فيه من الحب والعشق والغرام مع تضمنها أحيانًا لبعض الأخلاقيات العامة. بل إننا نرى أن بعض البرامج العربية قد تجنح إلى ترسيخ المبادئ العصبية المنهي عنها، أو الهدامة المناقضة للإسلام وتعاليمه السمحة. ونحب أن ننوّه في هذا المقام بالسياسة الإعلامية المقررة في المملكة العربية السعودية التي أكّدت تأكيدًا جازمًا على منع كل ما يناقض الشريعة الإسلامية الغراء أو يشوه الفطرة النقية للناشئة (٢) .

(١) انظر: مجلة المجاهد، العددين (٣٣-٣٤) . (٢) حبذا لو التزم الفنانون بذلك، وترجموا ذلك واقعًا ملموسًا يعكس الصورة المشرقة لما قررته هذه السياسة الإعلامية.

1 / 29