الآن، بعد 8 سنوات من عدد «تايم» ذاك، يمكن القول إن هذه كانت أكبر كذبة صحافية شهدها العالم، ف «أنت» لم تكن فاعلا، بل صرت مفعولا به بجدارة، بعد أن سقطت في فخ زمن المعلوماتية، الذي يسجل كل ما تفعله ويؤرشفه ويستخدمه إذا اقتضت الحاجة سلاحا ضدك، وليس غريبا أن نعرف أن مكتبة الكونغرس تؤرشف كل يوم جميع التدوينات على موقع تويتر، غثها وسمينها. «أنت» يمكن ببساطة أن يتم حشدك عبر صفحات فيس بوك للتحرك في الشوارع، وتحريكك كما حدث في
v for vendetta
بالضبط، يمكن تسجيل كل ما حولك عبر «التابلت» في يدك، وشاشة الكمبيوتر أمام عينيك، ويمكن معرفة مكانك بالضبط عن طريق الهاتف الذي تحمله في يدك.
هذه دوامة لا يجدي التحذير منها، لا مخرج منها، فمن يخرج منها فسيخرج من النظام العالمي الجديد في النهاية؛ فالكثيرون يعرفون بالثغرات الأمنية في موقع فيس بوك، لكن لم يتوقف أحد عن التعاطي معه، الجميع يسمع بالاتهامات ل «أبل» بتسريب بيانات عملائها للمخابرات، لكن لم يتوقف أحد عن شراء «آي فون» و«آي باد». لقد تحول الأمر إلى إدمان، وخوف من الخروج من السباق.
لم يقدم إدوارد سنودن خدمة للبشرية حينما كشف تنصت الاستخبارات الأمريكية على زعماء بعض الدول بمقدار ما قدم خدمة لهذه لأنظمة التي حذرها من التجسس عليها، وفي النهاية سيبقى الفرد، شخصية العام 2006،
You ، أنت، منتهكا، مسروقا، تحت رحمة هذه الأجهزة، والعيون التي تراقب.
اهتمت السينما الأمريكية بالتجسس على الآخرين، وانتهاك الخصوصية، لعل أبرز فيلم تناول ذلك كان فيلم شارون ستون الشهير
silver ، وفيلم دانيال كريغ «الفتاة ذات وشم التنين»، فضلا عن الفيلم الأشهر في هذا المجال وهو «المحادثة» (1974)، جزئه الثاني «عدو الدولة» الذي قدم عام 1988، غير أن هذه الأفلام تحدثت عن اختراق شخص لخصوصية شخص آخر، ولم تتحدث عن اختراق المنظمات لخصوصية الأفراد، بعد أن تجاوز الأمر مجرد كاميرا مزروعة في شارع أو غرفة نوم أو تنصت على مكالمة هاتفية. غير أن السؤال الأهم طرحه المخرج البولندي كريستوف كيشلوفسكي، في فيلم «الأحمر»، أحد أجزاء ثلاثيته الشهيرة عن الألوان، عندما سألت بطلة الفيلم رجلا يتجسس على جيرانه ليقومهم: «هل تظن نفسك إلها؟»
الإجابة عن هذا السؤال يقدمها العصر الراهن بعد أن اعتبر البعض أنفسهم يتجاوزون دور الآلهة، بعد أن صارت أجهزة استخبارات ودول ومنظمات وشركات عابرة للقارات، تسعى للسيطرة على العالم، وبعد أن استغنت عن عمل الجواسيس والاستطلاعات السرية بامتلاك المعلومات عن طريق التكنولوجيا.
يظن الكثيرون أنهم لا يعنون أجهزة الاستخبارات في شيء، لكن الحقيقة أنهم جزء من منظومة تكون رأيا عاما، تكون صورة واضحة لجزء كبير من مكان، أنهم تفصيلة ضمن تفاصيل كثيرة إذا تجاورت أصبحت الصورة كاملة. «أنت» لم تعد منذ الآن تملك جهازك المحمول ولا حسابك على تويتر وإنستغرام، بل صار هو من يملكك؛ لأن جهاز الأندرويد يعرف أين ذهبت من خرائط غوغل، وحسابك في إنستغرام يعرف الصور التي التقطتها ومن هم أصدقاؤك، وحسابك على فيس بوك يعرف أي الصفحات تفضل ويسجل آراءك السياسية وتفضيلاتك حتى في المطاعم، وحسابك على تويتر يعرف حالتك المزاجية، وحسابك على لنكدإن يعرف تاريخك الوظيفي، وحسابك على «جي ميل» يعرف مراسلاتك السرية، وصفحتك على غوغل تعرف عن أي الأشياء تبحث وماذا تخبئ، وحسابك على غوغل درايف يملك مستنداتك السرية، وهاتفك يملك قائمة اتصالاتك، بل إن بعض تطبيقات الهاتف تقيس حالتك الصحية، وحتى متصفحك على كمبيوترك الخاص يعرف كل ما تفعله على كمبيوترك، وأنت لا تستطيع الفكاك من كل هذا، لا تستطيع التخلي عن هاتفك لساعة واحدة، فماذا يملك إذن من يملك كل هذا؟ يملكك.
صفحة غير معروفة