Her
الذي كتبه وأخرجه سبايك جونز، وقام ببطولته خواكين فينيكس وإيمي آدامز وروني مارا وسكارليت جوهانسون، والرؤى الفلسفية التي قدمها، فإن القضية الأهم بالنسبة إلي كانت معالجة الفيلم لهذه القضية تحديدا: قضية الوحدة والانغلاق على الذات، وهي إحدى تجليات عصر المعلومات.
في مشهد دال يلاحظ بطل الفيلم - بينما كان يسير في الشارع - أن جميع من حوله منهمك تماما في الحديث إلى هاتفه، وعلى وجوههم انطباعات السعادة والحب والحزن والغضب والألم، لا يوجد شخصان يسيران معا في الطريق، بل كل شخص يتحدث إلى هاتفه فقط، وهي الحالة التي يمكن ملاحظتها بسهولة الآن داخل أي بيت، أو حافلة، أو مكان انتظار؛ حيث كل شخص يدور في فلك ذاته وعالمه الافتراضي الذي يلجأ إليه هربا من العالم الحقيقي، ينظر إلى الشاشة التي أمامه ويستغرق تماما (أيا كانت هذه الشاشة لهاتف أو لكمبيوتر أو لتلفاز أو لجهاز لوحي) ويتوحد معها تماما، حتى فكرة إقامة العلاقات عن طريق الهاتف مع صوت جهاز تشغيل، التي قدمها الفيلم، يمكن أن تجدها في الواقع؛ لأنك بالفعل لا تعرف من يجلس خلف الشاشة التي تحادثها.
عندما تراجع «التايم لاين» الخاص بأي شخص على فيس بوك أو تويتر، ستجد هناك الآلاف الذين يسكبون مشاعرهم يوميا؛ أملا في شخص افتراضي يربت على أكتافهم تربيتة افتراضية، ويمنحهم حضنا وحنانا افتراضيين، رغم يقيننا في كثير من الأحوال أن هذا الشخص الذي نخاطبه شخص افتراضي، ومن المستحيل أن نلتقيه يوما. الأمر قد يذكر - في جانبه العاطفي - بالمشهد المكرر في القطارات المصرية العتيقة، عندما يركب شخص إلى جوارك ويحكي لك كل همومه، رغم أنه لا يعرفك ولا تعرفه، لكنه أراد أن يفرغ ما يلهب جوفه، ووجد أخيرا من يسمع.
على فيس بوك وتويتر، ستجد ملايين الحسابات بأسماء مزورة لأشخاص اختاروا أن يقوموا بأدوار أخرى، اختاروا أن يخلعوا وجوههم التي منحتهم إياها الحياة، ويمنحوا أنفسهم وجوها وأسماء وشخصيات جديدة، تتصرف وتكتب وتحكم على الأشياء بطريقة أخرى غير الطريقة التي تعيش بها، وهو ما أعطاهم تعويضا عن رفضهم لأسلوب حياة أو أيديولوجيا أو مستوى اجتماعي معين، أو قيود مجتمعية.
لا أناقش هنا انفصام الشخصية لدى البعض، لكني أسعى للإجابة عن تساؤل: ماذا بعد أن توحدنا في عوالمنا الضيقة والمحدودة، بعد أن ظللنا لسنوات طويلة ننظر فقط في المرآة، وتخلينا عن البشر الحقيقيين، بعد أن صارت حياتنا وما نحبه موجودين في أجهزة الآي باد، والآي فون، والآي كلاود، ومواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح لنا أشخاص افتراضيون، نقضي معهم أوقاتا أطول - وربما أسعد - مما نقضيه مع أصدقائنا؟
يمكن تبرير هذا بأن العلاقة الإلكترونية من الممكن أن تنتهي بضغطة زر، لكن في رأيي الأمر ليس بهذا البساطة، فثمة «بعد كافكاوي» في الأمر يتمثل في عبوديتنا للتكنولوجيا، وتحورنا إلى حشرات تكنولوجية، أو خلق ذوات موازية، وهو ما انعكس في عبوديتنا لذواتنا، وانغلاقنا عليها، حتى غدونا مثل بطل فيلم
Her
الذي يهجر أصدقاءه من أجل علاقة عاطفية مع «نظام تشغيل إلكتروني» وجد معه الراحة التي لم يجدها في علاقته الطبيعية. راقب نفسك اليوم، وقد تحول فيس بوك إلى عالم خاص بك، مغلق تماما، به أسرارك، ووقت راحتك الذي تلجأ إليه أحيانا، ووجهك الآخر الذي تريد أن يراه العالم.
يذكر هذا بفيلم
صفحة غير معروفة