الكاتب الجيد يتدرب بشكل دائم على الكتابة. ظل نجيب محفوظ يكتب بشكل يومي؛ حتى تحول الأمر إلى طقس صباحي بالنسبة إليه. كان محمود درويش يفعل الأمر نفسه. معظم الكتاب الناجحين يفعلون ذلك؛ لأنهم يدركون أن اليد التي تكتب مثل الآلة التي تحتاج إلى «تزييت» دائم، فإذا أهملتها صدئت تروسها. لكنك لا تريد أن تصبح مثلهم. هل تذكر زملاءك الذين كانوا يكتبون معك أيام الجامعة، ثم ضاعوا وتوقفوا عن الكتابة، بل ضاعوا لأنهم توقفوا عن الكتابة؟ حسنا، يمكنك أن تكتب نصا واحدا وتكتفي بذلك، أو لا تكتب إطلاقا، لكن تأكد أن الكتابة ليست ملكا لأحد، بل ملك لمن يتدرب عليها بشكل دائم. (3) لا تقرأ
يقول الكاتب الألماني فرانز كافكا: «أعتقد أنه يجب علينا قراءة الكتب التي تدمينا، بل وتغرس خناجرها فينا. نحن بحاجة إلى الكتب التي لها وقع الكارثة، الكتب التي تحزننا بعمق مثل وفاة شخص نحبه أكثر من أنفسنا، مثل أن ننفى بعيدا في غابة بمنأى عن الآخرين، وكأنه الانتحار. يجب أن يكون الكتاب هو الفأس الذي يكسر جمودنا.» أنت تختلف عن كافكا، فأنت لست بحاجة إلى قراءة تراث الإنسانية من الإبداع، ولا قراءة مجايليك ولا الأجيال التي سبقتك. لكنك ستكتشف بعد فترة أنك - يا صاحب الموهبة - قد أصبحت في آخر الركب، أن الكتابة قد سبقتك، أن الكتابة تتطور وتعلو مثل جدار يضع فيه كل شخص لبنة بعد أن يطلع على اللبنات السابقة، بينما أنت ما زلت في الأسفل، لا تصل قامتك إلى ما وصل إليه البناء، تحمل في يدك كتابا مغلقا يأبى أن يفتح في وجهك. (4) صدق نفسك
لا بد أن هذا المشهد قد مر عليك: شخص يسألك عن الشهر العقاري لأنه يريد أن يسجل قصائده خوفا عليها من السرقة. قبل أن تقرأ ما كتب تأكد أنه يصدق أنه أمير شعراء عصره، وأن الآخرين يتربصون به ويريدون سرقة «روائعه» التي بعد الاطلاع عليها ستجدها تفتقد إلى أبجديات الكتابة. الكاتب الجيد لا يملك اليقين الذي يملكه هؤلاء الذين يصدقون أنفسهم ويعتقدون أنهم رائعون. الكاتب الجيد حتى لو صار كاتبا شهيرا وطبعت له عشرات الكتب يظل في حالة شك دائم فيما يكتب، يعيد كتابة ما كتب عشرات المرات، لا يصدق أن نصه جيد، حتى لو قال له الآلاف ذلك. الشك هو نعمة الكتابة الجيدة. اليقين هو نقمة الكاتب الفاشل. (5) التزم بالقواعد أو «كن عاقلا»
الكاتب العادي هو الذي يكتب مثل الآخرين، الذي يلتزم بالقواعد، الذي لا يخرج من باب البيت، فيظل محبوسا في نصوص الآخرين، ينظر في المرآة فلا يرى وجهه، بل يرى وجوه من سبقوه. لكن الكتابة الحقة هي تجاوز المعتاد، هي الجنون بعينه، هي تكسير القواعد. كل نص هو جنون جديد أو محاولة للجنون على أقل تقدير. أن تكون مجنونا في كتابتك يعني أنك كاتب جيد. يقول جابرييل جارثيا ماركيز إن «كل قصة تحمل معها تقنيتها الخاصة، والمهم بالنسبة إلى الكاتب هو اكتشاف تلك التقنية.» ويقول كونديرا: «لا توجد حيلة في الرواية قد اتهمت بالمريبة والسخيفة والنمطية كما اتهمت الحبكة وهزليتها المبالغ فيها. تظل - مع ذلك - طريقة أخرى لدحض تهمة «المريبة» عن الحبكة واستغلالها بأقصى درجة ممكنة، وذلك بتحريرها من مطلب الاحتمالية: أن تحكي قصة مفاجئة اختارت هي أن تكون مفاجئة.» لكن إذا كان هذا هو رأي كونديرا وماركيز، فلا شك أن لك رأيا آخر. (6) لا تحذف شيئا
أنت تريد أن تصبح كاتبا فاشلا، إذن لا تغير شيئا في النص، ولا تكتبه مرة أخرى. الكاتب الجيد يفكر دائما في التنقيح والحذف، والكاتب الأكثر جودة يفكر في الإضافة بالحذف؛ ما الذي إذا حذفه يضيف بعدا جديدا لما يكتب. يقول ماركيز أيضا إن «الكاتب الجيد لا يعرف بما ينشره بقدر ما يعرف بما يلقيه في سلة المهملات.» الكاتب الجيد هو الذي يهتم بالاستبعاد، لكن الكاتب الذي يعتبر نفسه كاتبا عظيما يرى أن ما يكتبه مقدس، لا تطوله يد الحذف ولا التنقيح، وهذا ينتج عنه نص طويل مترهل، يضر بالعمل كله، وليس بمقطع أو اثنين. الكاتب الجيد هو الذي يعيد كتابة نصه مرة واثنتين وعشرا، وفي كل مرة يحذف ويضيف ويحذف، حتى يصل إلى نسخة مثل المياه المقطرة الخالية من أي شوائب. الحذف بحسب كونديرا يجعلك تصل مباشرة إلى قلب الأشياء. (7) الكتابة تحتاج إليك
الآن، بعد أن التزمت بكل الخطوات السابقة، توقفت عن القراءة والكتابة، وصدقت نفسك، واكتفيت بكونك موهوبا، والتزمت بالقواعد، لم يتبق سوى أن تؤمن بأن الكتابة تحتاج إليك حتى تكتمل مأساتك. الكاتب الحقيقي هو الذي يحتاج إلى الكتابة، هو الذي يجد فيها ترياقا للحياة. يقول أمل دنقل: «الكتابة عندي بديل للانتحار.» وتحكي إيزابيل الليندي: «عندما كنت أكتب كتابي الأخير «الجزيرة تحت البحر»، مرضت إلى حد فظيع حتى ظننت بأنني مصابة بسرطان في المعدة. واصلت التقيؤ، ولم أقدر على الاستلقاء، وكان علي أن أنام جالسة. قال لي زوجي: إنه جسدك يتفاعل مع القصة، عندما تنهين الكتاب ستكونين بخير. وهذا ما حدث بالضبط.» الكتابة إذن بحسب إيزابيل هي استعباد: «إنني أحمل القصة في داخلي طوال اليوم، طوال الليل، في أحلامي، في جميع الأوقات.» لكنه الاستعباد الأجمل.
الآن، هل التزمت بهذه التعليمات؟ حسنا، مبارك، لقد أصبحت كاتبا فاشلا.
سبعة أشياء يتعلمها الكاتب من الأطفال!
الكتابة لعبة، لكنها تتم بمنتهى الجدية، شرطها الأساسي أن يصدقها طرفاها؛ القارئ والكاتب، يلتزمان بقواعدها، يمارسانها بحب. ولأنها لعبة، فيمكننا أن نقارنها بأية لعبة أخرى، وبملوك اللعب العظام أيضا؛ الأطفال. (1) الخيال
راقب طفلا يلعب، وشاهد ماذا يفعل؛ ستجد الأوراق تتحول إلى نقود، والوسادات طائرات مجنحة، وأطباق الطعام تتكلم، والأقلام تتصارع. بالخيال يستطيع الكاتب أيضا أن يخلق عالما مثل ذلك الذي خلقه الطفل؛ سمه واقعية سحرية، أو ما بعد حداثة، أو أيا كان الاسم الذي ستختاره؛ فعلى الكاتب أن يتعلم الخيال من الطفل أولا. يقول هاروكي موراكامي: «تخاف من الخيال؟ وتخاف أكثر من الأحلام؟ من المسئولية التي تبدأ في الأحلام؟ لا بد لك من أن تنام، والأحلام جزء من النوم. يمكنك وأنت مستيقظ أن تقمع الخيال، أما الأحلام فلا يمكنك قمعها.» الكتابة إذن استكمال للحلم الذي لا يقيده الواقع. (2) تغيير قواعد اللعبة
صفحة غير معروفة