والحكاية أعادها، وقد تمرن عليها وحبكها.
وهز الشاويش رأسه في بطء وهو يقول: دي مسئولية يا حبيبي، وأنت سيد العارفين.
ورد الشبراوي وغيظه يحترق: طب حطنا في الحجز.
وفي بطء قال الشاويش: برضه مسئولية.
وحين غادر القسم كان يلعن كل ما يمت إلى المسئولية والسائلين بصلة، ويكاد يضرب نفسه وهو يلومها على هذه المسئولية التي اندب فيها كالرطل.
وحين كان يسترد أنفاسه لاحت له فكرة اللوكاندة، ولكنه نبذها في الحال فهما اثنان، وزبيدة حرمة، وخطرة، والحسبة فيها بالراحة خمسون، ستون قرشا، والحكاية على الله.
ولم يبتعد الشبراوي كثيرا، فقد تربع أمام جامع السيدة وجذبها، حتى تهاوت بجانبه، والحياء يمنعه من البكاء، فلم يكن يعتقد أن إنسانا آخر في العالم له مثل تعاسته، وبؤسه. وكان مجاذيب الست حولهما كالنمل، وحين زغردت زبيدة ضاع صوتها في تمتمة الشيوخ وبسملتهم وزقزقة النساء ودوامات الذكر.
وسر الشبراوي لهذا وانبسط، فلم يعد فيما تفعله زبيدة غرابة أو شذوذا. وفي الواقع كان هو الغريب الشاذ بين هذا الجمع، وكان هو التعس الوحيد كذلك. وتمنى أن يفقد عقله حتى ينجذب ويسعد ويستريح مثلهم.
ورغما عنه بدأ يخرج من نفسه ومن آلامه وغيظه ويرمق ما يدور حوله. وكان ما يدور مسليا، فلا أحد يسأل الآخر ماذا يفعل أو ينهاه عن فعله، وانصرف الشبراوي بكليته إلى الشيخ الذي بجواره، والذي كان ممددا مسترخيا في موازاة الحائط، وقد أسند رأسه إلى ساعده، وراح يرقب الناس الغادين الرائحين بلا أدنى مبالاة، وفي وجهه اكتفاء واستمتاع، وكأنه ملك العصر والأوان، وكان بين الحين والحين يخفض رأسه، ثم يرفعها بعد مدة، ويحدق في الشبراوي ويقول في صوت ممدود عميق ساخر: وحد الله.
فيوحد الشبراوي في سره.
صفحة غير معروفة