وكما تقرع طبلة السحور، وجد أذنه يخرقها صوت أجوف عال تبين بعد وقت أنه يقول: أيوه يا ميت غنيم.
وشعر أنه وقع، وأصبح قلبه في أطراف أقدامه، وسقطت طاقيته فلم يعبأ بها.
ومأمأ وفأفأ وأذنه قد ماتت على السماعة التي تطبل كل لحظة وتقول: أيوه يا ميت غنيم.
وأصبح لا شيء في عقله، ولا شيء على لسانه إلا أن يردد مرة أخرى: يا مركز.
فيجيئه الجواب غاضبا: أيوه يا جدع. - يا مركز. - أيوه يا محروقة يا ميت غنيم. - يلعن، يلعن أبوك يا مركز.
قالها، ورمى السماعة بقوة وهو يحس بكل ارتياح.
ثم اندفع إلى الخارج كالريح.
أم الدنيا
كان مطعم الدرجة الثالثة في آخر عشاء يسوده جو غريب، ومع أن الضوء كان قويا باهرا، ودقائقه تتساقط في عدد لا نهاية له على كل شيء فتبدو وجوه الجرسونات الحليقة الناعمة، والمفارش البيضاء والملاعق، والأكواب الزجاجية النظيفة، تبدو كلها لامعة أنيقة، وكأنها طليت بماء النور.
مع هذا إلا أن المسافرين كان حديثهم همسا خافتا، يدور معظمه حول الوصول إلى الإسكندرية في الصباح الباكر، ثم نهاية الرحلة بعد الظهر في بيروت، وكان بعض الحديث يدور حول البحر ودواره وصرعاه في اليومين السابقين الراقدين، لا يستطيعون التحرك أو حتى العشاء.
صفحة غير معروفة