48

أرخص ليالي

تصانيف

ولست أدري ما ارتسم على وجهي لحظتها، فقد أحسست بفرحة غامرة دق لها قلبي.

وطالت ابتساماتنا، وامتدت، حتى قلت له وكأنني أقولها متأخرا جدا: إزيك؟ إزيك دلوقت؟

ونطق بهمسة لاهثة: أحسن، أحسن كثير.

وشيئا فشيئا بدأت ابتسامته تتلاشى وراء غيوم، ثم اختفت، وأظلمت ملامحه، وتقاربت تقاطيعه، وانطلقت من سواد عينيه أشعة تبرق، فقلت وأنا قلق: مالك؟! فيه حاجة؟!

وتوترت أنفاسه اللاهثة، واندفع يقول كالذي يخنقه كابوس: أيوه، علي، علي، الندل، يجرني للضلمة. وأنا صاحبه، صاحبه، الخاين، بس لو أروق له، وأروق لهم.

وتعبت تقاطيعه، وخفت البريق، وأصبح سواد عينيه أكثر سوادا، وتلألأت فجأة تلك القطرات الصغيرة الشريرة من العرق على جبهته وعلى وجنتيه.

ولعل الابتسام هو ما كان يحاول فعله فلا تطاوعه قسماته حين قال في صوت خافت غير مهتز: ميه، عاوز أشرب، عطشان.

وكانت يدي أسبق من يد الممرضة أمدها إليه بقطعة القطن، وقد بللتها بالماء لأمسح بها شفتيه ولسانه. وطاوعته القسمات في النهاية، فابتسم وهو يقول: متشكر، متشكر يا دكتور، كمان، كمان، عطشان، يا ناس، عاوز أشرب.

وكانت يدي أسبق من يد الممرضة؛ لتمنع عنه الماء هذه المرة.

وسمعت نقرا على الباب، وحين فتحته وجدت الممر الطويل يضيق بالناس والهمسات والتوجس، واندفعت العيون نحوي، ولمحت في كل العيون تساؤلا، ورجاء، رجاء في أمل.

صفحة غير معروفة