وكانت تفاحة تغلي، فليكن الولد في فسحة أو في مصيبة، ولكن أي أب مجنون هذا؟ وأية أم ملحوسة؟ وكيف يجلس هذا الشحط ممددا جسده على الحشيش، بينما ابنه يكاد الماء يطبق عليه؟ وكيف تحتمل هذه المرأة أن تلوح بيدها للولد هكذا في رقاعة؟ ألا تستحق بالذمة قطع هذه اليد؟
أهذه مصر؟ وآباء مصر وأمهاتها؟ - تفوه علادي بلد.
قالتها تفاحة وهي تبصق في حقد وشدة محاولة دفع البصقة، حتى تصل إلى الشاطئ الآخر، ولكن الريح الطيب تكفل بردها كاملة غير منقوصة إلى وجه عبد النبي أفندي، وفوجئ المسكين، وبهت، ولكنه سرعان ما تناول منديله يمسحها، واهتز جسده كله وهو يقهقه ويمزح مع امرأته قائلا: اخصي عليكي هبلة ما تختشيش، كدهه؟
واستدارت تفاحة دون اكتراث لما حدث ومشت وهي تتمتم: قال إيه؟! قال بيتفسح! والنبي لو كان عيل من عيالي كنت دبحته، أنهي مغفل يأمن على كبده؟
وأسرع وراءها عبد النبي أفندي محاولا أن يهدئ من ثائرتها، ولكن غضبها لم ينفثئ وظلت ما تبقى من النهار وبوزها شبرين.
وعند رجوعها إلى اللوكاندة في سيدنا الحسين وعبد النبي أفندي جالس يراجع الكشف الذي كتبه بالأشياء الواجب شراؤها من مصر قبلما يجيئون، وتفاحة تصلي على النبي مرات لتستطيع أن تتذكر شيئا راح عن بالها أن تمليه، وحين يئست من تذكره، قطعت يأسها قائلة: أما عجيبة، صحيح اللي يمشي يشوف أكتر.
واستخلص عبد النبي أفندي نفسه، وألقى نظرة على ركاب الترام قبل أن يقول وهو لا يزال سارحا بما في الكشف: يشوف إيه؟!
وأيضا لم ترد عليه، وإنما مضت تحدث نفسها وتقطع الكلمات: قال بيتفسح قال! يخي يلعن ...
وفي آخر قطار وهما عائدان إلى البلد مدفونان في زحمته، جاءت جلسة تفاحة بجانب عجوز كانت نازلة في قليوب.
ولم يكن مستحيلا أن يبدأ الحديث، وغادرت الولية القطار في قليوب وهي الأخرى لا تصدق ما روته جارتها عن الطفل، وسنه التي لا تزيد عن الأربع سنين، والقارب والبحر.
صفحة غير معروفة