أولى ما يلزمنا من قسمة النفس أن نعلم فى أى الأجناس هى، وما جنسها: أجوهر أو كيفية أم كمية أم ضرب آخر من ضروب لنعوته التى قد جزئت. — وأيضا من أى الأشياء هى: التى تعرف بالقوة، أومن الموجودات بالفعل؟ فان الفصل بين هذين ليس بصغير. — ولننظر أيضا: هل النفس ذات أقسام، أم لا أقسام لها؟ 〈وهل النفوس كلها من نوع واحد أو ليست من نوع واحد〉؟ وهل فصل 〈ما بينها〉 بالصورة هو أم بالجنس؟: فان الذين تكلموا فى النفس وفحصوا عنها فى برهنتنا هذه لم يفحصوا إلا عن النفس الناطقة وحدها. — ونحن نمتنع من ذلك لئلا يذهب علينا إن كان المعنى فيها وفى غيرها بمعنى واحد جنسا كالمعنى فى الحيوان، أو إنما المعنى فيها معنى خاص مفرد كمعنى الانسان غير معنى الفرس، ومعنى الفرس غير معنى الكلب، 〈وغير معنى الإله؛ وفى هذه الحال الحيوان عامة إما أن يكون ليس بشىء، أو يكون متأخرا لاحقا. والمسألة عينها توضع أيضا بالنسبة إلى كل محمول مشترك نضعه〉. — وأيضا إن تكن الأنفس كثيرة، أو إنما هى أجزاء نفس واحدة؟ فأى الأمرين ينبغى أن نقدم فى طلب الفحص عن النفس كلية أو عن أجزائها؟ وقد يصعب أيضا تفصيل بعضها من بعض إلى أن نعلم أى الأمرين ينبغى أن نقدم: الفحص عن الأجزاء أو عن أفعالها: كقول القائل ينبغى أن يقدم العقل أو إدراكنا به، ويقدم الجزء الحاس أو يقدم تفاعلنا به، فكذلك يلزمنا القول فيما بعد ذلك. — وإن كانت أعمال أجزاء أولى أن تقدم فى الفحص على غيرها، فجائز لسائل أن يسأل: أيها على اختلافها يقدم: المحسوس أم الحاس؟ والمعقول أم العاقل؟ العلم ببدء الشىء ومائيته معين على معرفة علل الأعراض العارضة فى جوهر (كالتى نرى فى الأشياءالتعليمية: فان العلم بما المستقيم من الخطوط والأعوج وما الخط والسطح معين على معرفة لكم قائمة تساوى زوايا المثلث)، والعلم بحد الشىء وبما هو ليس يعين على هذا فقط، بل يعين على المعرفة بنفس الأعراض، ومعرفة الأعراض جزء عظيم فى علم تحديد الشىء، لأنا إذا وجدنا السبيل إلى الاجابة فى الأعراض: إما عن كلها وإما عن أكثرها، على ما فى التوهم، فعند ذلك ما نجد السبيل إلا أن نقول قولا جيدا فى الجوهر. وما نحن قائلون فى ذلك أن ابتداء كل برهان إنما هو تحديد الشىء والمعرفة بماهيته؛ من أجل ذلك أى حدود لم تقدمها المعرفة بالأعراض، فليس يسهل أن نقيس عليها وإن كانت جميعا بالاتفاق والهذر.
صفحة ٥