كنت بصور في سني نيف وخمسين وثلاثمائة عند أبي علي محمد بن علي المستأمن- وإنما لقب بذلك لأنه استأمن من عسكر القرامطة إلى أصحاب السلطان بالشام وهو على حماية البلد- فجاءه قاضيها أبو القاسم علي بن ريان- وكان شابا أديبا، فاضلا، جليلا واسع المال، عظيم الثروة- ليلا، فاستأذن عليه فأذن له، فلما دخل عليه قال له:
أيها الأمير قد حدث الليلة أمر ما لنا بمثله عهد، وهو أن في هذا البلد رجلا ضريرا يقوم كل ليلة في الثلث الأخير ويطوف بالبلد ويقول بأعلى صوته:
«يا غافلين اذكروا الله، يا مذنبين استغفروا الله، يا مبغضي معاوية عليكم لعنة الله» وأن دايتي التي ربتني كانت لها عادة أن تنتبه على صوته.
فجاءتني الليلة وأيقظتني، وقالت لي: كنت نائمة فرأيت في منامي كأن الناس يهرعون إلى المسجد الجامع فسألت عن السبب؟ فقالوا: رسول الله هناك. فتوجهت إلى المسجد ودخلته فرأيت النبي (صلى الله عليه وآله) على المنبر وبين يديه رجل واقف وعن يمينه ويساره غلامان واقفان، والناس يسلمون عليه، ويرد عليهم [السلام] (1) حتى رأيت الضرير الذي يطوف في البلد ويذكر ويقول كذا وكذا- وأعادت ما يقوله دخل وسلم فأعرض عنه النبي حتى عاوده ثلاثا، فأعرض عنه، فقال الرجل الواقف:
يا رسول الله رجل من أمتك ضرير يحفظ القرآن يسلم عليك، فلم حرمته الرد عليه؟
فقال: يا أبا الحسن هذا يلعنك، ويلعن ولديك، منذ ثلاثين سنة.
فالتفت الرجل الواقف، فقال: يا قنبر. فإذا برجل قد بدر، فقال: اصفعه.
فصفعه صفعة، فخر على وجهه، ثم انتبهت فلم أسمع له صوتا.
وهذا هو الوقت الذي جرت عادته فيه بالصياح والطواف والتذكير.
قال أبو الفرج: فقلت: أيها الأمير ننفذ من يعرف خبره.
صفحة ٩٩