مع كافة الشؤون المتوجبة عليه ، فقال : «فمن في سترك يوم لا ستر الا سترك لي ؟ ومن يكون في سترك ، بعد ان تخلص من التعلق بغيرك ، وحطم قيود الحجب ، ووصل الى جمالك الجميل ؟» . فقال هم طائفتان : الذين يذكرونني ابتداءا ، والذين يتحابون لأجلي حيث يكون تذكرا في مظهر جمالي التام ، الذي هو الانسان . انهما الطائفتان في مأمني وجلسائي وأنا جليسهم .
فتبين ان لهذين الطائفتين خصلة واحدة عظيمة ، ولها نتاج عظيم آخر ، اذ انهم يذكرون الله فينقلبوا بذكرهم له محبوبين للحق المتعالي ونتيجته انهم يستقرون في ستره سبحانه وملجأه يوم لا ستر فيه ، ويختلي بهم الحق عز وجل في المحل الارفع .
ومن خصال هاتين الطائفتين ان الله سبحانه يرفع لكرامتهم ، العذاب عن عباده بمعنى انه ما دامت الطائفتان تعيشان بين العباد ، لا ينزل الله سبحانه العذاب على الناس .
فصل: في الفرق بين مقام التفكر والتذكر
اعلم ان التذكر من نتائج التفكر ، ولهذا يعتبرون مقام التفكر مقدما على مقام التذكر . يقول العارف عبد الله الانصاري «التذكر فوق التفكر ، فإن التفكر طلب والتذكر وجود» اذ ان التفكر طلب للمحبوب والتذكر حصول للمطلوب . فما دام الانسان يطلب ويبحث يكون محجوبا عن مطلوبه وعندما يصل الى محبوبه يتحرر من عناء البحث والتفتيش .
ان قوة التذكر وكماله ، يرتبطان بقوة التفكر وكماله . والتفكر الذي يفضي الى التذكر التام للمعبود . لا يساوي الاعمال الاخرى ولا يقاس في الفضيلة بها . ففي الاحاديث الشريفة ان تفكر ساعة افضل من عبادة سنة واحدة او ستين عاما او سبعين عاما . ومن الواضح ان الغاية من العبادات وثمرتها المهمة ، حصول المعرفة والتذكر للمعبود الحق . وستحصل على هذه الخاصية من التفكر الصحيح ، احسن من الحصول عليها عن طريق العبادة .
اذ لعل تفكر ساعة واحدة ، يفتح ابوابا من المعارف على السالك ، لا تفتحها عبادة سبعين سنة ، او ان في تفكر ساعة واحدة تذكر للانسان بحبيبه سبحانه ، ما لا يحصل من المشاق والمساعي المجهدة فترة سنين عديدة مثل هذا التذكر .
واعلم ايها العزيز ان تذكر الحبيب ، والتفكر فيه دائما ، يثمر نتائج كثيرة لكافة الطبقات .
اما الكملون والاولياء والعرفاء فان تذكر الحبيب في نفسه ، غاية آمالهم وفي ظله يبلغون جمال حبيبهم . هنيئا لهم .
واما عموم الناس والمتوسطين منهم ، فهو افضل مصلح للاخلاق والسلوك وللظاهر والباطن .
صفحة ٢٧٤