254

الاربعون حديثا

تصانيف

من بيت النفس نحو بيت القصيد . فمنزل التوبة سابق ومقدم على منزل الإنابة ، ولا يناسب تفصيل ذلك في هذا المقال .

فصل: نقطة هامة

على سالك طريق الهداية والنجاة ، الانتباه الى نقطة هامة : هي ان التوفيق الى التوبة الصحيحة الكاملة مع توفير شرائطها التي سنذكرها من الامور الصعبة ، وقليلا ما يستطيع الانسان ان يصل الى هذا المقصد . بل ان اقتراف الذنوب وخاصة المعاصي الكبيرة يجعلان الانسان غافلا عن ذكر التوبة نهائيا . وإذا ما اثمرت وقويت شجرة المعاصي في مزرعة قلب الانسان وتحكمت جذورها ، ستكون لها نتائج وخيمة : منها حث الانسان على الانصراف كليا عن التفكير في التوبة ، واذا تذكرها احيانا تكاسل في اجرائها واجلها وقال : «اليوم او غدا وهذا الشهر او الشهر المقبل ، ويخاطب نفسه قائلا انني اتوب آخر العمر وأيام الشيخوخة توبة صحيحة» . وانه يغفل عن ان هذا مكر مع الله «والله خير الماكرين» (3) . لا يتوقع الانسان انه بعد ان تقوى جذور الذنوب في نفسه ، يستطيع ان يتوب او يقوم بتوفير شروط التوبة . ان افضل ايام التوبة وربيعها هي فترة ايام الشباب . لان الذنوب اقل وشوائب القلب وظلمات الباطل اخف ، وشروط التوبة اسهل وايسر . وقد يكثر في سن الشيخوخة حرص الانسان وطمعه وحبه للمال ويزداد طول امله وقد اثبتت التجربة ذلك .

والحديث النبوي الشريف افضل شاهد على هذه المقولة . واذا افترضنا ان الانسان يستطيع القيام بهذا العمل (التوبة) في سن الشيخوخة . فما هو الضمان للوصول الى سن الشيخوخة وعدم ادراكه الاجل المحتوم ايام الشباب على حين غرة ، وهو مشغول بالذنوب والعصيان ؟ ان انخفاض عدد المسنين ، دليل على ان الموت اقرب الى الشباب منه الى الشيخ . اننا في المدينة التي تحتوي على خمسين الف نسمة لم نجد خمسين شيخا يناهز عمر كل منهم ثمانين عاما .

فيا ايها العزيز كن على حذر من مكائد الشيطان ولا تمكر على الله ولا تحتال عليه بأن تقول اعيش خمسين عاما او اكثر مع الأهواء ، ثم استغفر ربي لدى الموت واستدرك الماضي ، لان هذه افكار واهية .

اذا سمعت او علمت من الحديث الشريف ان الله سبحانه وتعالى قد تفضل على هذه الامة بتقبل توبتهم قبل مشاهدة اثار الموت او عند الموت فذلك صحيح ، ولكن هيهات ان الاربعون حديثا :259

صفحة ٢٥٨